اثارت وصال خالد زبيدات، صاحبة مشروع “سعرات حياتية”، تدريب وتغيير نمط حياة لأكثر صحي، فضولنا عبر فيديوهاتها التي تتحدث خلالها في صفحتها في انستغرام عن قضية “الأكل العاطفي”! بمعنى الافراط بالأكل ليس لحاجة بدنية، انما للتفريغ عن مشاعر مختلفة قد تكون توترا او مللا او بسبب ضغوطات.. فاجرينا معها الحوار الشيق التالي، ومن ابرز ما وضحته لنا: علاقة الإنسان بالطعام علاقة حب تبدأ منذ لحظة ولادته!
(تابعوها عبر فسيبوك وانستغرام: wisal zbidat)
الصنارة: من خلال عملك تتكلمين كثيرا للمتابعين عن موضوع “الأكل العاطفي”، بمعنى الأكل المفرط نتيجة مشاعر معينة، وبالمقابل بعض الناس تتصرف عكسيا بحيث انها تفقد الشهية.. وضحي لنا الأمر..
وصال: هناك مشاعر تقلل الشهية وهناك مشاعر تجعلني أقبل على الأكل، الأمر يعتمد على الشخص نفسه وسيرورة حياته. مشاعر الحب والفرح تجعل بعض الناس تأكل أكثر والعكس لدى البعض الآخر، وهناك أشخاص تأكل كثيرا بسبب مشاعر الغضب او الملل والفراغ. الأمر يعتمد على الشخص نفسه والمشاعر التي يعيشها.
الصنارة: بالذات اليوم نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب والتوتر، العواطف تعمل أكثر..
وصال: ليس فقط الوضع الاقتصادي وانما الوضع العام الذي نعيشه اليوم.. قلة من الناس تستطيع التمييز بين “الأكل العاطفي” او “الجوع العاطفي” وبين الجوع البدني. “الجوع العاطفي” هو جوع لكنه ليس احتياجا جسديا لأن الجسد ليس بحاجة لأن يأكل، فهو جوع ينتابنا فجأة! فيشعر الانسان برغبة ملحة وعاجلة لتناول الأكل ويشتهي الطعام السريع. مثلا، الجائع جسديا يعدّ لنفسه صحن سلطة او وجبة شهية، بينما الجائع عاطفيا يريد تناول مسليات مثل تشبس او حلويات او شوكولاطة او بيتسا.. طعام سريع وسهل الاعداد.
الصنارة: ومتى ينتابه هذا الشعور؟ كم مرة في اليوم مثلا؟
وصال: مرة أخرى، الأمر يتعلق بالفرد. بعض الأشخاص قد ينتابها هذا الشعور مرة بالأسبوع او يوميا او بفترات متباعدة. هذا الشيء كما يقال “كل حالة منفردة”. الحالة موجودة لدى العديد من الناس. أغلب الناس تأكل على أساس الجوع العاطفي وليس البدني، بمعنى ان اغلب الاكل الذي نأكله خلال النهار ليس سببه الجوع البدني، وانما خلال لقاء عمل او لقاء اجتماعي او بسبب الضغط النفسي العالي لدى الكثيرين، لان الأكل في هذه المرحلة يعتبر ملاذا وملجأ للتنفيذ عن الضغوط.
علاقة الانسان مع الأكل تبدأ من مرحلة الطفولة. لحظة ولادة الطفل يضعونه على صدر والدته حيث يوجد الطعام. وهناك رضاعة وشعور بالأمان، بالتالي منطقي ان تكون علاقة الإنسان بالطعام علاقة حب. لكن في جيل 5 او 6 سنوات تتحول علاقة الطفل بالطعام لعلاقة مكافأة وعقاب. بمعنى، نقول للولد اذا تصرفت هكذا فسوف أطعمك هذا او أشتري لك هذه الحلوى، وبالتالي تصبح علاقة مكافأة وعقاب، وهناك يبدأ تأنيب الضمير.. اذا حصلت على مكافأة وهي الأكل فأنا نجحت، اما اذا لم انجح فلن احصل على المكافأة وبالتالي سيصبح لدي تأنيب ضمير. هنا يصبح الارتباط بالطعام اكثر بالحب والاهتمام. وعندما نصبح بالغين كل هذه الارتباطات تتفكك ويستبدل الارتباط بالطعام بمشاعر مختلفة، فكلما شعرت بالحب او بالفرح او الحزن او أي عاطفة أخرى، استبدلها بالاكل لسد احتياجات نفسية او عاطفية او تسكين الم داخلي، وكثيرا من الأحيان للهروب من ألم ووجع او من حاجة. فممكن ان يكون الشخص جالسا وتخطر له فكرة مزعجة، لأجل الهروب منها يتوجه للبراد او الخزانة ويتناول قطعة حلوى او تشبس.
بالتالي، الشخص يتوجه لطعام سهل ان يتناوله ويفرط بتناوله لانه يأكل بشكل غير واعي. يأكل ويأكل ولا يشبع! لان الأكل هنا كانه لا يدخل المعدة انما يدخل في الرأس، لانه يحاول طرد كل الأفكار والمشاكل وبالتالي يلجأ الى الطعام. فهو لا يشعر بالشبع ويفرط بالأكل، وعندما يعود لحالة الوعي يبدأ الشعور بالندم والاحساس بالذنب وتأنيب الضمير. والشخص أصلا لم يكن بحاجة للأكل هذا كله.
الطعام البدني لا يشعرنا بالندم لأن الجائع يتناول الوجبة الرئيسية التي هي ضرورية لجسده ويشعر بالرضى لانه احتياج بدني. لكن الافراط بالمسليات والحلوى تشعر الشخص بالندم بالذات لمن يرغب بالنزول بالوزن او الحصول على اكل سليم ويقع في مطب الأكل العاطفي.
هنا العلاج ليس مجرد أن أعطي الشخص برنامجا غذائيا معينا، وانما العلاج يكون اكتشاف الوعي للمسببات التي تجعله يأكل.. هل هي فكرة أم شعور انتاب الشخص او حدث معين.. ما الذي يجعلني آكل بلا وعي.. بالتالي، علينا اكتشاف الجواب من أجل السيطرة على الأكل العاطفي. وانا اقدم لهم البدائل التي قد تكون أكلا صحيا، او الابتعاد عن محل مؤلم معين او الابتعاد عن العصبية.
الصنارة: كيف يستطيع الشخص التمييز بين الجوع البدني والعاطفي؟
وصال: الجوع العاطفي يأتي فجأة وليس بشكل تدريجي، بينما الجوع البدني ينتابنا تدريجيا ولا نشعر بحاجة ملحة وفورية لتناول الطعام. بينما الجوع العاطفي يصيبنا “الآن”! الآن أريد شوكولاطة وفورا، او الان أريد المسليات. الجوع العاطفي يشتهي أمورا محددة، ليس سلطة ولا بندورة ولا تفاحة إنما وجبات سريعة وحلوى وتسالي. ايضا في حالة الجوع العاطفي يأكل الانسان بشكل طائش بمعنى انه أحيانا لا ينتبه انه أكل كيس تشبس او حبة بوظة! فهو أكلها بلا وعي! وبالجوع العاطفي لا يشعر الشخص لا بالرضى ولا بالشبع بعد الأكل. وغالبا ما ينتاب الشخص تأنيب الضمير بعد الأكل العاطفي.
الصنارة: الأكل العاطفي يصيب الجميع بلا تحديد للجيل؟
وصال: صحيح، من خلال حقل عملي أصبحت أنتبه انه كثيرا ما يصيب أولادا صغارا! أحيانا في جيل 12 و13 سنة.. ممكن بسبب التنمر او نتيجة علاقة غير فعالة مع الأهل.. والطفل لا يدرك مشاعره او لا يعرف التعبير عنها فبالتالي يلجأ للأكل العاطفي، لأن أسهل شيء اللجوء له هو الأكل، لأنه متوفر وبمتناول اليد وعن طريقه يفرغ الطفل الضغط النفسي. وهو أيضا ممتع يعطي لذة لحظية لكن بعدها يحصل تأنيب الضمير.
لدى بعض الناس يكون أساس الأكل العاطفي التعويض.. هذا يصيب الأمهات اللاتي يبدأن بتناول الأكل في الليل، لماذا؟ هي تفكر: طيلة النهار كنت أقوم بالمهام التي عليّ، وفي الليل يأتي وقت التعويض عن تعب كل النهار، والآن سآكل كعكة او مسليات لأني الآن سأعوض عن تعبي بهذه الطريقة. مع النساء أحاول البحث عن بدائل للطعام.
الصنارة: ما هي؟
وصال: قد تكون هوايات مثل القراءة، ان لا تترك المرأة وقت فراغ او مجالا للملل في الليل، او يكون التعويض عن طريق رياضة او قراءة.. أي شيء قد يشعرها بالسعادة والرضا غير الأكل.
الصنارة: أو أكل صحي؟
وصال: في برنامج الأكل أضع للناس الأكل الذي يحبونه. انا أصلا لا اؤمن بكلمة رجيم! أنا اؤمن ان برنامج الأكل يجب ان يكون مبنيا للشخص نفسه بشكل خاص له هو. ممكن تناول شوكولاطة لكن قطعة واحدة فقط، وفي الليل تناول مأكولات تشبع ولا تضر، حتى لا أقوم مثلا بتناول الحلوى. أعطي مجالا لحبة شوكولاطة لكن ليس أكثر لأنها لن تعطيني الشعور بالشبع ولا الاكتفاء.
أغلب الناس لديها الحزن من الماضي والقلق من المستقبل
الصنارة: لديك بوست في انستغرام عن كتاب “السماح بالرحيل”، والأمر المثير هنا أنك تتحدثين عن شخص قد يكون سعيدا جدا في حياته ولا يشعر بأي نقص او استياء، لكنه غير مدرك ان حادثة ما أثرت عليه قبل سنوات عديدة وبسببها لديه الرغبة بالأكل وهو غير مدرك أن السبب هو جوع عاطفي..
وصال: الكتاب يتكلم عن الكبت الشعوري، أنا أنتبه ان الناس لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرها اوأنها لم تتعود على ذلك، فمنذ الصغر كان يقال لها “عيب أن تحكي هكذا” مثلا، فينتج لديهم كبت شعوري، الذي يجعل الانسان يأكل اكثر لانها الطريقة ليخرج هذه المشاعر المكبوتة. في “السماح بالرحيل” الكاتب يقول اننا يجب ان نعطي الشرعية للشعور نفسه حتى لو كان الشعور صعبا او متعبا، ليس علينا محاربته بل السماح له بأن ياتي وايضا ان يرحل. ليس هناك مجال لأن نبقى موجودين في الماضي، وليس هناك مجال لأن نمحوه لأنه قد حصل ومرّ! أغلب الناس لديها الحزن من الماضي والقلق من المستقبل، بالتالي الناس تعيش ما بين الماضي والمستقبل، ما بين الحزن والقلق، وبالتالي تخسر الحاضر. القلق والحزن يجلبان الأكل معهما..
الصنارة: تكلمت عن خطأ استخدام الأكل كعقاب او جزاء..
وصال: طبعا خطأ! وهو يجر الأمر للمستقبل، بحيث تجدين أشخاصا يعاملون أنفسهم بهذه الطريقة! حتى وهم بالغين يفكرون انني لو حافظت على أكل سليم خلال الأسبوع اذ في “الويكيند” سأكافئ نفسي بوجبة هامبرغر!!! حقا؟ وجبة هامبرغر وأنت في فترة التزام لخطة طعام!! يعني هؤلاء يكافئون ويعاقبون أنفسهم عن طريق الأكل. كل هذا من مكان عدم الوعي، من أيام الطفولة التي تصمم شخصية الانسان!
الصنارة: لديك نصيحة للناس حتى لا تقع في هذا الفخ تحديدا في هذه الفترة المتوترة؟
وصال: كلنا حاليا نعيش في نفس الظروف وانا طالما اقول للشخص، عندما تعيش فترة ضغوطات حدد مصدر الضغط! بمعنى اكتب على ورقة ما تشعر به. لا يصح ان نتعامل مع أنفسنا دون ان نعرف او نحدد مصدر الضغط. اذا كان مصدر الضغط ليس تحت سيطرتي، فلدي امكانيتان فقط: ان أتقبل الوضع الموجود، ان أتأقلم مع الوضع الموجود، وان أغير الأشياء التي أستطيع ان أغيرها. انا لا أستطيع ان أغير انسانا أتعامل معه لكنني استطيع ان أغير أفكاري ومشاعري ونمط الحياة الذي أعيشه. نصيحتي دائما: لا تبحث عن التغيير في الخارج بل التغيير يبدأ من داخل الانسان. وهناك أوضاع في الحياة لا مجال الا ان اتقبلها وأتأقلم معها. الانسان الذي يتأقلم هو الانسان الذي سيستمر ويعيش. محاولة تغيير أمور خارج قدرتي ستسبب لي ضغطا نفسيا كبيرا وألما وانزعاجا وسيضعني بمكان سلبي. الفكرة تؤدي الى شعور يؤدي الى سلوك ويؤدي الى نتيجة. السلوكيات متأثرة من الأفكار التي أعيشها.
مثلا, اذا قلت لي ان الحرب تسبب لي القلق، أجيبك نعم لكن الامر ليس بسيطرتك، لذا التقبّل والتأقلم هنا امران مهمان.
الصنارة: ماذا عن الأشخاص الذين لديهم وزن مفرط جدا، لماذا لا يعملون على تغيير وضعهم؟
وصال: الأمر شائك والأسباب مختلفة. نحن نتربى منذ الصغر اننا من اجل خسارة الوزن يجب أن نمتنع عن الحلويات والخبز والمشروبات المحلاة. حسنا، ماذا لو كان هذا الشخص يحب هذه الأمور؟ ويفكر أن النزول بالوزن معناه حرمانه من كل هذه الأمور! قلت في البداية ان علاقة الانسان مع الطعام هي علاقة حب، وخطأ ان نمنع الشخص عن مأكولات يحبها، فهو ممكن ان يأكل كل شيء يحبه بطريقة منتظمة ومتوازنة والنزول بالوزن. لذلك كما قلت الأمر يتعلق بالفكرة الموجودة في رأس الشخص، على ماذا ترتكز!
الصنارة: أنت تقدمين محاضرات وورشات في هذه المواضيع؟
وصال: أنا أجري ورشات ومجموعات دعم علاجية في مركزي في سخنين اسمه “سعرات حياتية”، أربط بين السعرات وبين الحياة. أدمج بين نمط حياة صحي والأكل. لا يكفي ان أقدم نظام أكل صحيا وانما اكثر من ذلك، فأنا أفحص اذا كان لدى الزبون أسلوب أكل عاطفي او نمط حياته غير متأقلم او سلم أولوياته غير صحيح بمعنى أنه يهمل نفسه، أم أن المشكلة عدم ادارة الوقت او المشاعر..
أنا أنظم مجموعات دعم وأقدم مرافقات شخصية لعلاج الوزن الزائد ولدينا قصص نجاحات كثيرة.
الصنارة: كم من الوزن خسروا؟
وصال: يعتمد، هناك أشخاص خسروا 20 كغم او 30 كغم.. ونزل السكر لديهم. الأمر يعتمد على عوامل عديدة.
الصنارة: وكيف تساعدينهم على الحفاظ على وزنهم الجديد؟
وصال: توجد مرافقة لخسارة الوزن وكذلك مرافقة لتثبيت الوزن الذي حققناه كهدف. هذه مرحلة هامة جدا حتى لا يحصل لدى الناس تأثير “اليويو” ويعلقون بين خسارة الوزن ومن ثم اكتسابه والعودة لخسارته وهلم جرا.