مسلسل “اختطاف” تجربة بريطانية إيجابية تدفع لهجر المسلسلات الأميركية

0 7٬825

صناع الأعمال الفنية واقعون في وقتنا الحالي في مأزق كبير، إذ شاهد المتفرجون كل شيء بعشرات الصيغ والأشكال، فمع تنوع المنصات الإلكترونية أصبح هناك محتوى يصعب على مشاهد متفرغ متابعته بالكامل، وبالتالي يستحيل إبهاره بحبكة تبدو مشابهة لأخرى مر بها من قبل بالتأكيد.

نتحدث هنا عن مسلسل “اختطاف” (Hijack)، أحدث ما تقدمه منصة “آبل تي في بلس” (Apple TV+) لمشتركيها، والذي -كما يتضح من عنوانه- يدور حول اختطاف طائرة.

حبكة تم استغلالها في أفلام ومسلسلات أصعب من أن يتم حصرها، فيبقى السؤال هنا: كيف يقدم صناع المسلسل قصة مكررة بشكل يجذب المشاهد على مدار 7 حلقات؟

زمن حقيقي للمزيد من القلق

تبدأ أحداث المسلسل قبل لحظات قليلة من تحليق طائرة تجارية من دبي إلى لندن، وعلى متنها بطبيعة الحال فئات وجنسيات مختلفة من المسافرين، منهم بطل المسلسل سام نيلسون/إدريس ألبا، الذي نكتشف بعد قليل أنه يعمل في مجال المفاوضات التجارية، ويعود إلى العاصمة الإنجليزية لينقذ زواجه المتداعي، وبعد أقل من ساعة من إقلاع الطائرة يُظهر 5 ركاب حقيقتهم كخاطفين للطائرة، ويجبرون الطيار على قطع الاتصالات الخارجية.

على سام نيلسون في هذه الحالة استخدام كل قدراته الخاصة في التأثير على الخاطفين، بل التلاعب بهم في بعض الأحيان ليترك بضع إشارات بسيطة للسلطات يخبرهم عبرها بحقيقة الموقف، في محاولة لإنقاذ الطائرة، فهو -كما قال مرارا- لا يهدف سوى للعودة إلى منزله.

يتكون المسلسل من 7 حلقات، كل حلقة نحو 40 دقيقة، وتمثل الوقت الحقيقي الذي تدور فيه الأحداث” فعلى عكس المعالجات الدرامية الشائعة لم يتم اختصار الزمن الدرامي لتغطية قدر أكبر من الأحداث، بل تتبع المعالجة الدرامية الزمن الحقيقي لما يقع على الشاشة، الأمر الذي يسهم في تماهي المشاهد مع ما يحدث، ويشعره بمعاناة الشخصيات الذين تمر عليهم كل لحظة كما لو كانت سنين بالتأكيد، وتمثل الثواني والدقائق نقاطا فارقة في حياة كل منهم، وفي الموقف المتأزم ككل، وكذلك يرفع مستوى الإثارة والتشويق.

تنتهي كل حلقة بلحظة فاصلة تقلب الأحداث، ولكن بصورة لا تعاكس منطق العمل نفسه، وفي الوقت ذاته تحافظ على تشوق المشاهدين للأسبوع القادم بلا فتور.

منطقية المسلسل وكتابته أهم نقاط القوة فيه، بالإضافة إلى استخدام الزمن بشكل حقيقي وليس دراميا، فعلى عكس أبطال المسلسلات والأفلام الأميركية الذين يتميز نسبة كبيرة منهم بمثالية شديدة تجعلهم يضحون بحياتهم مقابل نجاة الآخرين، فإن بطل المسلسل شخص طبيعي، لا يفكر إلا كما سيفكر أي فرد آخر سيقع في الورطة نفسها؛ في “النجاة”، الأمر الذي يستلزم منه استخدام الحيلة، بالإضافة إلى قدر كبير من الأنانية التي تجعله في إحدى اللحظات يجهض خطة لإنقاذ الطائرة لأن ذلك يُعرض أفراد أسرته للخطر.

يزيد من جرعة التشويق والإثارة في المسلسل التعمية المزدوجة لكل من ركاب الطائرة، والسلطات التي تحاول إنقاذها، فقط المشاهد هو المطلع الوحيد على حقيقة ما يعرفه كلا الجانبين، لأن الاتصالات مقطوعة بينهما، وبالتالي هو القادر على توقع الأحداث القادمة، على عكس الشخصيات الدرامية الواقعة في فخ المحاولات مجهولة النتائج.

 

اختطاف إنجليزي الطابع

يتسم مسلسل “اختطاف” كذلك بطابع إنجليزي شديد الهدوء، خاصة أن أغلب أبطاله من الإنجليز، ويغلب على الأداء الحدة الباردة حتى في أصعب المواقف وأشدها إثارة، مما يجعله بطريقة ما أكثر إرهاقا للأعصاب، بالإضافة إلى واقعية السرد ومحاولة تغطية الجوانب المختلفة للوضع التي تجعل كل الدلالات تقود لنتائج في غاية السوء.

تتمتع أغلب شخصيات المسلسل بجوانب متعددة حتى لو كانت شخصية فرعية، مثل راكبة الطائرة الأم التي تعاني من القلق الشديد من قبل حتى وقوع الكارثة، والتي تحكم على الآخرين أخلاقيًا بصورة عنيفة، ولكن أكثر الشخصيات تماسكًا شخصية سام نيلسون المفاوض العبقري شديد الهدوء، والمراقبة الجوية “أليس”، الأم الوحيدة التي تعاني لتربية ولدها والقيام بعملها، فتذهب لعملها مرهقة، ولكن ذلك لا يمنعها من ملاحظة الإشارات التي يتركها لها الطيار وسام، وتستنبط منها أن هناك شيئا خاطئا في الطائرة.

اختيار إدريس ألبا لدور البطولة نقل المسلسل من دراما اختطاف طائرات تعتمد على الحركة ومحاولات تحرير الركاب المليئة بالأدرينالين إلى عمل هادئ، يحكمه المنطق والعقل، وقدرة الشخصية الرئيسية على التفاوض الحذر، سواء مع الخاطفين أو الركاب أنفسهم الذين يجعلهم الغضب على وشك الانفجار، الأمر الذي قد يهدد حياة الجميع.

هذا الهدوء في التناول والتلاعب ينوعان العمل، فيتحول إلى الإثارة والتشويق وليس الحركة، وهما سر ما يجعل المسلسل مختلفًا عن الأعمال الدرامية التي تناولت اختطاف الطائرات من قبل، وغلب عليها المحاولات البطولية من أحد الركاب القادر على قتل حفنة من المجرمين وقيادة الطائرة في آن واحد.

ورغم تقديم “آبل تي في بلس” عدة أعمال منذ انطلاقها، فإنها تتميز بأسماء نجومها وتكلفة إخراجها العالية، إلا أن هذا المسلسل الذي تدور أحداثه على متن طائرة، وتم تصويره في أماكن محدودة استطاع التفوق على كثير من الأعمال السابقة نتيجة اختلافه عن قوالب المسلسلات الأميركية المعتادة.

 

 

حقق مسلسل “اختطاف” معدل 87% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) من النقاد، و69% من الجمهور، مثيرًا إعجاب الجميع بإيقاعه المتوازن والمشوق، ومثيرًا خيالهم لما يمكن أن تنتهي عليه أحداثه.

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا