فن الوشم “جلد ثان” في “بيت طيخو” | بالوشم.. تنقش عائلة رزوق تراثنا بين الثقافات
ان الحديث مع الواشم وسيم رزوق ممتع ومؤثر للغاية, فهو يجسد موروث عائلة قبطية توارثت مهنة الوشم منذ ما يقارب 700 عام, وتقدس استمرارية هذه المهنة في القدس عبر الأجيال اعتبارا منها انها مهمة وطنية ودينية.
وسيم يرسم وشوما من قوالب خشبية عتيقة عمرها يعود الى 500-700 سنة احضرت من مصر مع اجداده, موروث مذهل جدا.
يقول وسيم: “احب الحديث عن هذا التراث الجميل ومن خبرتي كلما تعرف اخواننا الاسرائيليون اكثر على التراث الموجود في هذه البلاد فالأمر يساعد اكثر على ان يقدّروا ويقيّموا وجودنا في البلاد..”
تابعوه عبر انستغرام: انستغرام: Razzouk tattoo
الصنارة: تم انخراطك في مهنة الوشم التي تشكل توارثا فائق الأهمية بالنسبة لعائلتك ووالدك واجدادك.. حدثنا عن اهمية هذا الموروث بالنسبة لكم؟
وسيم: مهنتنا هذه بالنسبة لنا ليست مجرد مهنة بل تراث عائلي يستمر منذ الاجداد, بالإضافة هو تراث البلاد المقدسة وليس عائلتنا فقط, ونحن نوقر ونحترم هذا الأمر ويهمنا ان نبقيه حيا.. لأن للأمر علاقة دينية بالمسيحيين الذين يحجون في البلاد المقدسة ويضعون الوشم ليكون ذكرى لهم وشهادة على انهم تمموا الحج. وبالتالي, مهم لنا ايضا الحفاظ على هذا الامر لأهميته الدينية.. والموضوع بالنسبة لنا ليس ماديا بل نريد الحفاظ عليه لأنه من تراثنا, تراث مسيحي من البلاد المقدسة, ونحافظ عليه بكل قدسية من جيل لجيل.
لدينا قوالب الوشوم القديمة عمرها يعود الى 500-700 سنة احضرت من مصر مع اجدادي, وما زلنا نحافظ عليها في العائلة.. هي اختام خشبية محفور عليها تصاميم مسيحية مثل الصليب والقيامة وصلب المسيح والعذراء مريم مع الطفل يسوع وعماد المسيح وغيرها..
الصنارة: هل معروف من صنعها او مصدر هذه القوالب او الاختام؟
وسيم: من مصر حيث انتشر تراث الوشم. اجدادي احضروها معهم عندما جاؤوا من مصروهنا اصبحوا يصدرون اختاما جديدة لانه في البلاد المقدسة وفي القدس كانوا يطلبون رسومات مختلفة.. اجدادي حفروها على قوالب من خشب الزيتون.
الصنارة: هل وشمت على جسدك من هذه الوشوم العتيقة والتاريخية؟
وسيم: بالطبع!! بالطبع!! حين كنت صبيا كنت اذهب الى المحل لمساعدة والدي واشاهده وهو يرسم الوشم للناس, وعمتي كذلك كانت تعمل في نفس المهنة وكنت اراقب طريقة عملها.. لكن عندما كبرت لم اشعر باني اريد الانخراط في هذه المهنة لأن طريقة عملهم كانت بالدقة القديمة ولم يكن الأمر جذابا لي. حين بلغت سن الثلاثين وبما ان والدي كان دائما يلح عليّ بالانضمام لمهنة العائلة اقتنعت واخبرته انني اذا انضممت فسأؤدي الوشم بطريقتي, بمعنى انني سأغير طريقة العمل واجعلها اكثر عصرية فوافق وسلمني كل القوالب والكتب القديمة والمعدات وبدأ يعلمني كيف انفذ الوشم.
تدريجيا تطورت وافتتحت محلا جديدا وأسست صفحات فيسبوك وانستغرام وانتشر اسم المحل واسمنا واصبحنا مشهورين. لديّ ولدان وبنت, علمت الولدين كيفية عمل الوشم وهما يعملان معي في الاستوديو.
الصنارة: هل لديك زبائن من منطقتنا؟
وسيم: نعم وكذلك من المجتمع اليهودي وهم لا يضعون الوشوم المسيحية وانما الوشوم الجمالية.
الصنارة: هل ترسم وشوما اخرى غير الدينية؟
وسيم: عامة نعم.
الصنارة: لماذا برأيك يحب الناس رسم الوشم على اجسادهم؟
وسيم: هي بالأساس محطات حياة بالنسبة لهم. مثلا, السياح يحبون الوشم الديني للذكرى من رحلاتهم للأرض المقدسة.
الصنارة: هل تشعر بازدياد في عدد الناس الذين يأتون لرسم الوشم؟ هل اصبح منتشرا اكثر؟
وسيم: اليوم اصبح مقبولا اكثر بين الشباب والبالغين. لديّ زبائن من الرجال في جيل 60 و70 و80 عاما و90 عاما! مرة وشمت سيدة عمرها 101 سنة! الوشم لا علاقة له بالسن..
الصنارة: هل هناك قصص تبقى في ذاكرتك من خلال عملك على مر السنين؟
وسيم: بالتأكيد.. مثلا اليوم وشمت لسيدة كانت تنتظر المجئ الى البلاد منذ 7 سنوات! هذا اول وشم لها وعمرها 65 سنة.
اذكر قصة جميلة جدا, كنت اوشم لسيدة ارمنية كان عمرها بين 60-70 سنة, وانا انفذ وشمها اجهشت بالبكاء.. فسالتها عن السبب, أجابتني انها عندما كانت طفلة جاءت مع والديها الى البلاد المقدسة والى القدس, وجاءت مع اهلها الى محل جدي لوضع الوشم ضمن مجموعة من السياح, كلهم توشموا ولكنها لم تستطع وضع الوشم لصغر سنها حيث كانت تبلغ 5 سنوات.. فقالت لها امها انا ايضا لن اضع الوشم مثلك وسنعود معا عندما تبلغين ونضع الوشم سوية. بعد مغادرتهما البلاد نشبت حرب الـ 67 واغلقت البلاد وهي اصلا كانت لبنانية وبالتالي لم تستطع والدتها العودة الى القدس وتوفيت. لكن هي حصلت على جنسية اجنبية مما مكنها من العودة الى القدس وعادت الينا لإتمام الوشم مما كان بالنسبة اليها موضوعا عاطفيا فكأنها نفذت الوشم عنها وعن والدتها.
الصنارة: ستشارك في برنامج مثير حول فن الوشم في “بيت طيخو” في القدس بالتعاون مع بعض فناني الوشم الأسبوع القادم, حيث ستوشمون الحاضرين مجانا. لماذا أحببت المشاركة في هذا البرنامج؟
وسيم: احب المشاركة في مختلف البرامج بالذات التي لها علاقة بالقدس. بالنسبة لي احب الكلام عن هذا التراث الجميل ومن خبرتي كلما تعرف اخواننا الاسرائيليون اكثر على التراث الموجود في هذه البلاد فالأمر يساعد اكثر على ان يقدّروا ويقيّموا وجودنا في البلاد.
مثلا, عندما أقول لشخص يهودي من القدس ان عائلتي تعيش في البلاد منذ 500 سنة وتمتهن صناعة الوشوم فهو يحسبها اين كانت عائلته قبل 500 سنة؟ فبالتالي يدركون ان تراثنا ووجودنا هنا قبلهم, فأنا بذكاء افهمه كم وجودنا مهما ونحن كعرب وكمسيحيين لنا وجود هنا.
لولا وجود المسيح هنا ولولا السياحة المسيحية لما وجدت سياحة في البلاد! هذه البلاد تعيش على السياحة بشكل اساسي ومعظم السياحة مسيحية. صحيح هناك سياح يهود ومسلمون ايضا ولكنها بالأساس سياحة مسيحية على اساس الحج المسيحي.
كل الاماكن المسيحية والكنائس المسيحية هي جزء من هوية هذه البلاد وانا اشعر ان لدي مسؤولية بأن امثل هذا الأمر وان اتكلم عنه وان اعلم الناس عنه لتتثقف عن وجودنا وعن وجود تراثنا.
مثلا, شجرة الزيتون لبعض الناس هي شجرة عادية بينما لا يعرف كثيرون عن اهمية شجرة الزيتون في التراث الفلسطيني.. وفي الأراضي المقدسة. هناك شجرة زيتون في الجثمانية عمرها اكثر من 2000 سنة!! من الصعب على الكثيرين ان يفهموا أهمية الأمر. 2000 سنة بمعنى قبل ان يخلق شئ اسمه دول وحدود ..
يأتي الي للمحل مجموعات (چروپات) من اليهود ويطلبون مني ان احدثهم عن تراثنا وعندما احدثهم نلمس مدى اهتمامهم بهذا الموضوع! منهم من لا يحبون الاستماع لكلامي لأنهم لا يحبون ان يسمعوا اننا موجودون هنا من قبلهم ولكن الكثيرين يهتمون للاستماع ويهتمون بالسؤال والاستفسار.. وهذه التوعية التي نقوم بها مهمة جدا لأنها تجعلهم يدركون ان وجودنا هنا مهم جدا وهو قائم من زمان بعيد ونحن مازلنا موجودين واولادنا سيبقون هنا ويستمرون.. هذا عمل وطني نوعا ما, بدون ان اطلق الرصاص او أضرب الحجارة فأنا اضرب الكلمات والأفكار التي تدخل في رأسهم وتجعلهم يحترموننا ويقدروننا اكثر وهذا امر بمنتهى الاهمية بالنسبة لي.
انطلقت في “بيت طيخو” هذا الصيف سلسلة من الفعاليات بهدف تحويل المبنى الفريد إلى منزل للطلاب في القدس. “عور شيني” – ستوديو للوشم الحي، هو الحدث الثالث ضمن سلسلة الأحداث المتغيرة والتي ينظمونها داخل المنزل وفي الحديقة.
قام فريق “متحف إسرائيل” في القدس بتطوير مفهوم جديد لـ “بيت طيخو” والذي يتضمن سلسلة من فعاليات متغيرة تهدف إلى تجديد وتحديث المكان وإنشاء مركز لجمهور المدينة الشاب.
“عور شيني” – هي أمسية حول ثقافة الوشم وتزيين الجسم، وهو الحدث الثالث في هذه السلسلة من الأحداث المتغيرة سيقام يوم الخميس 12.10.23 ابتداء من الساعة 19.00 وبحسب هداس زمر بن آري، مديرة البرامج في متحف إسرائيل فإن “عور شيني، يستكشف ويحتفل بثقافة تزيين الجسم، استوحى إلهامه من أعمال آنا طيخو، التي عُرفت بأنها رسامة موهوبة تعمقت في المناظر الطبيعية والنباتات في القدس، ومن المعرض المعروض حاليًا في المنزل: مبدعات من المنزل، أربع فنانات ضيوف في بيت طيخو وبالحديقة. أعمال أورلي ميفرج وألينور سام كل على طريقتها الخاصة، تركيبات معلقة في مكان مع صور مبتكرة الذي يغلف جدران البيت كجلد ثان”.
وبحسب ليهي سلطان، المديرة الفنية لمشروع “طيخو في الحديقة”، فإنه سيشارك في الحفل ثلاثة من رسامي الوشم المتميزين بأسلوب رسومي. وسيتواجد فنانو الوشم داخل صالات العرض بالمنزل وسيقومون بدعوة الزوار إلى رسم وشم تفسيراتهم على أجسادهم لأعمال آنا طيخو. في وقت لاحق من المساء، ستقود امينة المعرض دوريت شابير نقاشًا بمشاركتهم حول الأسئلة المتعلقة بالوشم باعتباره سمة من سمات الهوية الفردية مقابل الانتماء الجماعي والقبلي.
فنانو الوشم الذين سيشاركون في الأمسية: وسيم رزوق، نوعه حيفتس وعيدن كليف الذي يقول: “هذا الحدث هو فرصة بالنسبة لي لتحقيق آخر متعدد التخصصات ومزيج من الفن واللقاء المباشر مع الجمهور في أجواء “بيت طيخو” الخاصة في مركز مدينة القدس. أشعر بالفضول لرؤية ما يمكن أن يتطور من مزيج بين لوحات طيخو التي تعود إلى نصف قرن مضى وأكثر وبين الوشم في الوقت الحاضر نحن في نفس المدينة بالضبط. بالإضافة إلى ذلك، أنا مهتم بمعرفة من سيكون الجمهور الذي سيأتي ويختار ان يضع الوشم على جسده…”
معلومات عن المشاركين:
وسيم رزوق: أحد أبناء سلالة الوشم القبطية من البلدة القديمة في القدس العاملة في مجال الوشم منذ 700 عام! وسيم يرسم الوشم باستخدام حافظات خشبية أصلية يزيد عمرها عن 200 عام (بعضها موجود في مجموعة متحف إسرائيل)، إلى جانب الوشم المعاصر والحديث.
عيدن كليف: رسام، مخرج فيديو موسيقي ورسام وشم تخرج من بتسلئيل، معترف به دوليا ويعمل في تل أبيب ويتميز عمله بخط ساذج وفوري مستوحى من رسومات الأطفال.
نوعه حيفتس: طالبة فنون في بتسلئيل، عضو في ستوديو ديرخ يافو في تل أبيب منذ ست سنوات وضيفة في فعاليات ولقاءات وشم مختلفة في أوروبا. يتميز عملها بالتحقيق في أشكال ناشئة عن الطبيعة.
دوريت شابير, امينة كبيرة لمعرض الفن الأفريقي والأوقيانوسي في متحف إسرائيل بين 1986-2020, باحثة في المثل الأعلى للجمال وكيف يتغير من ثقافة إلى أخرى. وفنون الجسد، بما في ذلك الرسم على الجسم، والوشم، والثقب، وتشكيل الجمجمة وطحن الأسنان، ودورها الاحتفالي في هذه الثقافات.
وتقام سلسلة الفعاليات الصيفية بدعم من صندوق القدس وبلدية القدس.