تسريبات ووثائق سرية تكشف التفاصيل.. من هي الأيادي الخفية التي تعبث بالمشهد التونسي؟
فتح برنامج “ما خفي أعظم” ضمن تحقيق جديد ملف الأدوار الخفية وراء أحداث أمنية كبرى شهدتها الساحة التونسية خلال العقد الأخير، وبقيت الأيادي الخفية التي تحكمت بها بعيدة عن المحاسبة لصالح ما بدا أنها منظومة أمنية وسياسية عميقة لا تزال تتحكم بالمشهد.
وحصل التحقيق الجديد -الذي يحمل عنوان “تونس.. الأيادي الخفية”- على تسريبات ووثائق حصرية تميط اللثام عن شخصيات نافذة متورطة في تلك الأحداث، ولكنها لم تخضع للحساب، وأبرزها عصام الدردوري، وهو شخصية أمنية يلفها الكثير من الجدل، واتهم بتسريب مكالمات حساسة مع مسؤولين أمنيين سابقين ورفعت ضده قضايا عدة، وتصدر هذا الشخص المشهد التونسي في ملف “التسفير”.
واستدعي ملف “التسفير” للإعلام والقضاء في ذروة الانقسام السياسي لاتهام مسؤولين ونواب سابقين ورجال أعمال -جميعهم محسوبون على المعارضة- بتسهيل سفر شبان تونسيين بعد الثورة التونسية للانضمام إلى المقاتلين في ما تسمى بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا.
وبحسب شهادة سمير بن عمر -وهو حقوقي ومستشار رئاسي سابق- فإن الدردوري هو نقابي أمني كان يشتغل في النقابات الأمنية، وقام بتأسيس جمعية لها علاقة بالأمن، وهو إحدى الأدوات التي تستعملها بعض الجهات لشيطنة المشهد السياسي وضرب بعض الجهات السياسية والأمنية، وقال إن هذا الرجل هو خنجر في قلب التجربة التونسية تم استعماله أسوأ استعمال من طرف الدولة العميقة لعرقلة مسار الثورة وتشويه المشهد السياسي.
وحصل برنامج “ما خفي أعظم” ضمن حلقة (2023/2/17) على تسريبات صوتية ومصورة مرتبطة بالدردوري تكشف جانبا من الدور الخفي الذي يؤديه بخلاف الصورة التي يظهر عليها في العلن.
وأظهرت التسريبات الصوتية تواصل الدردوري مع شخص لبناني غامض يدعى محمد علي إسماعيل ويعمل لصالح النظام السوري.
ومن ضمن التسجيلات المسربة تسجيل آخر يظهر قيام الدردوري بتسريب معلومات أمنية حساسة، من بينها قائمة أسماء لعناصر سريين جندهم الأمن التونسي خارج الحدود، وهذه التسريبات تعزز التخابر مع جهات خارجية وتسريب معلومات أمنية سرية إلى الخارج.
وأكد الدردوري في اتصال هاتفي مع البرنامج أنه شاهد رئيسي في ملف “التسفير”، وأن الاتهامات الموجهة إليه مردودة على أصحابها، ووصف التسريبات التي تؤكد تورطه بأنها واهية.
كما تمكن برنامج “ما خفي أعظم” من الحصول على عدد من الملفات والوثائق السرية الخاصة بالتحقيق في عمليات أمنية مسلحة وقعت في تونس، والتي ورد اسم الدردوري في إحداها.
وتظهر وثيقة مسربة أن هذا الشخص تقدم بشكوى ضد أحد المدعين العامين وهو حافظ العبيدي، واتهمه بالاعتداء على فتاة قاصر عام 2016، ولكن يتبين أن القاضي كان مسؤولا مباشرا عن التحقيق في عمليات أمنية عصفت بالبلاد بين عامي 2015 و2016، أهمها عمليتي “المنيهلة” و”متحف باردو”، واعترفت الفتاة لاحقا بأن الدردوري استغلها كعنصر اختراق، حسب قولها، واتهمته بالتحرش بها.
وأكد رئيس فرقة الأبحاث في الإدارة العامة للسجون سابقا هيكل دخيل في شهادته أن المتورطين في عملية “المنيهلة” -التي وقعت في مايو/أيار 2016- هم قيادات أمنية تابعة للحرس الوطني التونسي.
الأمن يجند عناصر ويتخلى عنها
من جهة أخرى، حصل البرنامج التحقيقي على شهادة سرية من عنصر اختراق تم تجنيده من قبل الأمن التونسي، حيث تم تكليفه -كما يقول- بنقل الأموال والمسلحين المطلوبين بين ليبيا والجبال الحدودية التونسية.
وأظهر أيضا كيف قام جهاز الحرس الوطني بتجنيد التونسية زينب كشرود لإيصال أموال إلى الجماعات المسلحة في الجبال على الحدود التونسية الجزائرية، لكنها اعتقلت من قبل الأمن الجزائري.
وبحسب ماهر زيد نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان التونسي سابقا، فقد تم تجنيد زينب مثل آخرين لاختراق الجماعات الإرهابية، وتم إرسالها إلى الحدود التونسية الجزائرية حيث يتحصن عشرات من المسلحين، وتم القبض عليها داخل التراب الجزائري، وعندما عرضت على المحكمة في الجزائر فوجئ قاضي التحقيق بأنها تقول له إنها شخصية وطنية مكلفة من الأمن التونسي بهذه المهمة، وأعطاها فرصة للاتصال بالإدارة الأمنية في بلادها، لكن الأخيرة تخلت عنها.
وعرض البرنامج شهادة عنصر اختراق تابع للحرس الوطني التونسي يؤكد فيها أنه بين نار الإرهاب وتجاهل الدولة ويطلب الحماية من الدولة.
وتطرق البرنامج إلى الهجوم الذي استهدف متحف باردو في قلب العاصمة التونسية في مارس/آذار 2015 وخلف مقتل أكثر من 20 شخصا وإصابة 50 آخرين، ويشير إلى أن قاضي التحقيق تحدث حينها عن تحريف خطير للوقائع بانتزاع اعترافات تحت طائلة التعذيب.
ورجح فيليب دوفول -وهو محامي الدفاع عن ضحايا هجوم باردو- في حديثه للبرنامج أن يكون الهجوم تم بالتخطيط من قبل جهة خفية في الدولة التونسية حينها.