“المعادل” و”جون ويك”.. توأم سينمائي يصارع الأشرار في إيطاليا وفرنسا

0 7٬722

فرضت المقارنة بين سلسلتي “المعادل” (The Equalizer)  و”جون ويك” (John Wick) نفسها على مشاهدي العملين ونقادهما منذ انطلاقهما قبل 9 سنوات، وذلك لوفرة التشابهات بينهما، واستمرار العملين في مسيرة متوازية، خطوة بخطوة، حتى عام 2023 الذي شهد انتهاء كل منهما.

ففي 2014 عُرض “المعادل” في سبتمبر/أيلول و”جون ويك” في أكتوبر/تشرين الأول، وحقق كل منهما إيرادات تبلغ أضعاف ميزانية الإنتاج، وشهرة واسعة، سمحت لهذه الأفلام الفردية بالتحول إلى سلاسل سينمائية.

وخاضت الصحافة الفنية سباقا لرصد أوجه التشابه بين العملين، ومقارنة إيراداتهما، خاصة أنهما ينتميان لسينما الأكشن، لكن ما الذي يميز كل منهما عن الآخر سينمائيا؟

جون ويك وروبرت ماكول

لا يجمع بين الفيلمين فقط كونهما عُرضا في نفس العام، أو ينتميان إلى نوع الأكشن، فالتشابهات أكثر عمقا وتشعبا، وتصل إلى بناء الشخصية الرئيسية نفسها، وسماتها المميزة، وحتى الأعداء الذين يقاتلونهم.

جون ويك مقاتل سابق في إحدى العصابات العالمية، يتزوج ويعتزل عالم الجريمة، ثم تتوفى زوجته، وتتركه أرمل بملابس سوداء، وقلب لم يترك الحزن فيه مكانًا لأي شعور آخر، ولكنه يُجبر على العودة للقتال بعدما قتل ابن رئيس عصابة روسية المنشأ كلب جون الذي تركته له زوجته، فيبدأ في مسعى طويل للانتقام، وتفريغ حزنه العارم.

على الجانب الآخر روبرت ماكول في فيلم “المعادل” أيضا مقاتل سابق، ولكنه هنا يتبع المخابرات الأميركية، وبعد وفاة زوجته يقرر هجر حياته السابقة، ويزيف موته ليعيش منعزلا في إحدى المدن الأميركية، مرتديًا الأسود، ومحاولًا تمضية الباقي من عمره في هدوء، ولكن حياته تنقلب رأسا على عقب عندما يتم الاعتداء بالضرب على إحدى صديقاته، فينهض ماكول من ثباته، ويبدأ في محاربة عصابة إجرامية روسية الأصل.

على الرغم من أن جون ويك كان بالأصل رجل عصابات، بينما يعمل روبرت ماكول في المخابرات الأميركية، لا يمكن وضعهما بشكل صريح في خانات الخير والشر -الأمر السائد في أفلام الأكشن الأميركية- فكلاهما يلعب في هذه المنطقة الرمادية، يقومان بأعمال خيّرة ولكن بصورة شريرة، ويطاردهما ماض مخضب بالدماء، ويسعى كل منهما لهدف واحد فقط إيجاد بعض السلام حتى نهاية حياتهما.

وصنع مخرج كل عمل الاختلاف بين فيلمي “المعادل” و”جون ويك”، فتشاد ستاهلسكي في جون ويك صنع إيقاعا سريعا وحادا، مع تصوير مشاهد الحركة بشكل يعتمد على اللقطات الطويلة، مع الجمع بين حركة الكاميرا وحركة الممثلين المصممة بدقة ورشاقة، بينما أنطوان فوكوا في “المعادل” أبرز في كل مشهد تقريبا التضاد الواضح بين عالم البطل الساكن، وعالم الأشرار شديد الديناميكية، فالبطل رجل يتحكم في كل ما يحيط به حتى أنفاسه، واع بكل عضلة من جسده، ومحافظ على هدوء عالمه، ولكن ما أن يختلط بالأشرار حتى ينقلب هذا السكون إلى عنف شامل، ودموية شديدة جعلت الأجزاء الثلاثة تحصل على تقييم للبالغين فقط، وقد تفنن المخرج في تصوير مشاهد الذبح واقتلاع العيون، وتقطيع الأعضاء.

لماذا عاد “المعادل” بجزء ثالث؟

في أغلب الأخبار التي تناولت إيرادات فيلمي “أوبنهايمر” و”باربي” وردت جملة “أعلى إيراد لفيلم ليس جزءا من سلسلة” وذلك لأنها الحقيقة، نحن نعيش الآن عصر السلاسل السينمائية الممتدة، والتي قد يتخطى طولها في بعض الأحيان الـ30 مثل أفلام “مارفل” أو تنقسم إلى سلاسل مشتقة وفرعية مثل سلسلة أفلام “روكي” التي وصلت حتى الآن إلى 9 أفلام.

يُقبل المنتجون اليوم على السلاسل السينمائية لأنها تعطيهم شبكة أمان تغطي استثماراتهم، خاصة لو كان الفيلم تكملة لسلسلة ناجحة بالفعل، أو تركت أثرا طيبا لدى المشاهدين والنقاد في أجزاء سابقة، أيضا يسعى بعض المخرجين لاستكمال سلاسلهم الناجحة في محاولة منهم لتعويض تواضع أعمال أخرى لهم، الأمر الذي يمكن أن ينطبق على فيلم “المعادل”.

قدم أنطوان فوكوا في الفترة ما بين الجزأين الثاني والثالث من “المعادل” 3 أفلام سينمائية، هم “المذنب” (The Guilty) و”تحرر” (Emancipation) و”لا نهائي” (Infinite)، ثلاثتهم لم يحققوا نجاحا نقديا، وتم عرضهم على المنصات الإلكترونية بعد عرض سينمائي محدود، الأمر الذي يمثل تراجعا في مسيرة المخرج، ويجعل خياراته محدودة.

فيلم “المعادل 3” كان طوق نجاة بالنسبة لفوكوا، فهو لم يعده فقط للعرض في دور السينما، ولكن أيضا إلى الإيرادات الكبيرة، والعمل مع واحد من ممثليه المفضلين “دينزل واشنطن”، وأيضًا فرصة لوضع خاتمة لشخصية “روبرت ماكول” التي تعلق بها الجمهور 9 سنوات.

أعلن صناع الفيلم أن “المعادل 3” هو الأخير، ولكن مثلما يحدث كثيرا قد يتراجع صناعه بعد عامين أو ثلاثة رغبة في استثمار نجاحه، أو لتوق المشاهدين لرؤية بطلهم الدموي، ولكن الفيلم منح البطل محطة للاستراحة لعدة سنوات، ودفعة لمسيرة مخرجه للأمام.

السلام الداخلي

يبدو فيلم “المعادل 3” كما لو أنه استكمال لمغامرات روبرت ماكول لتحقيق العدالة، ولكنه في الحقيقة استكمال لرحلة أخرى داخلية، مسعاه لمعرفة هل هو طيب أم شرير، وإجابة السؤال الذي يؤرقه يوميا ودفعه للاعتزال في أوج قوته والاختفاء عن الأنظار “هل ما قام به في ماضيه حتى لو بأوامر بلاده كان شيئا يُغتفر؟”.

يبدأ الفيلم بالبطل يطهر مزرعة عنب إيطالية نائية من مجموعة واسعة من الأشرار، ثم يصاب برصاصة واحدة، أطلقها عليه حفيد أحدهم، الذي أصبح يتيما بعد هذه المجزرة، وللحظة يحاول ماكول إنهاء حياته بالانتحار، ولكنه يفشل ويسقط مريضا في إحدى القرى الصغيرة، فيعالجه طبيبها، ويحتضنه أهلها الطيبون.

ولأول مرة يجد نقطة نور يستعيد بفضلها رغبته في الحياة، ولكن يعكر صفوه عصابات المافيا الإيطالية التي ترغب في الاستحواذ على هذه القرية، وتحويلها إلى منتجع سياحي، فالرأسمالية تتحد مع الجريمة المنظمة لإنهاء سلامه.

صُورت أغلب مشاهد فيلم “المعادل 3” في إيطاليا، الأمر المشابه لآخر أجزاء “جون ويك” الذي انتقل ببطله ومشاهديه إلى باريس الفرنسية، في محاولة لكسر الاعتيادية، والاستفادة من الأماكن الجديدة لتصوير مشاهد أكشن قديمة، واصطحاب المشاهد المتشوق للعنف الأميركي على الأراضي الأجنبية.

المصدر : الجزيرة + وكالات

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا