أجواء حزينة.. وشجرة بدون زينة.. أجواء الاحتفالات بعيد الميلاد تستبدل بالصلوات والتعاطف مع العباد

0 11٬035

زياد شليوط وصالح معطي

كلّما حلّ عيدٌ في مجتمعنا وخاصة في ظروف غير طبيعية، تعيق فرحة العيد وبهجته، نستذكر بيت الشعر الخالد لشاعر العرب أبو الطيب المتنبي الذي هتف من أعماق قلبه المجروح: “عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ   بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ”، وكم كنا نتمنى أن يعود عيد الميلاد في هذا العام “بما مضى”، لكنه يعود في ظل حرب قاسية وصعبة في بلادنا ومنطقتنا، حصدت وتحصد أرواح ألوف البشر وعشرات الألوف من المصابين والمشوهين والمشردين. هذا ناهيك عن استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية والتي كاد ينساها الناس، وناهيك عن المآسي والويلات الطبيعية التي تخلف الضحايا بالآلاف وغيرها من الكوارث، والتي تأتينا بالجديد المأساوي ويحدّ من بهجة العيد ورونقه.

على ضوء ما يمر علينا ومع قدوم عيد الميلاد لهذا العام في أجواء من الحزن والأسف، قرر مجلس رؤساء الكنائس في القدس، الغاء المظاهر الاحتفالية للعيد والتي كانت تتمثل بالاحتفالات العامة باضاءة شجرة العيد واقامة المسيرات الشعبية وغيرها، واقتصار إحياء مراسم العيد على الطقوس الدينية داخل الكنائس ودور العبادة، وتشارك “الصنارة” في نقل تلك الأجواء من خلال اللقاءت التالية.   

 

المطران رفيق نهرا، النائب البطريركي اللاتيني في الناصرة لـ”الصنارة”: أي احتفال خارجي في هذه الظروف يعتبر تحديا وقلّة انسانية

التقت “الصنارة” المطران رفيق نهرا، النائب البطريركي اللاتيني في الناصرة الذي قال معقبا على قرار مجلس رؤساء الكنائس: “نحن في مجتمع يعيش حدادا على ضحاياه، سواء في الجانب الاسرائيلي أو في غزة، حيث الوضع مأساوي والقلب يتقطع لمشهد القتل وعلينا احترام مشاعر الناس، وأي احتفال خارجي في هذه الظروف يعتبر تحديا وقلّة انسانية. وفي الجانب الداخلي علينا أن نعود لمعنى العيد الحقيقي، صميم إيماننا وهو الرجاء والنور والتواضع. ذلك المعنى يذكرنا ليس بالوضع القائم انما بولادة المخلص الذي يزورنا ويقدم لنا الرجاء على شكل شعلة داخل القلب، حتى نقوى ونصمد أمام الصعوبات التي تواجهنا لنواصل طريقنا”.

وبمناسبة العيد وجه المطران نهرا رسالته للمؤمنين وعامة الناس قائلا: “أولا أن نفكر ببعضنا البعض خاصة من لا يحتفلون بالعيد، وأن نفتش عن فاقدي العيد والفرحة لنتعاطف معهم. ثانيا نعود ونغذي إيماننا ورجاءنا بأن ولد لنا مخلص وهو من حوّل العالم وقادر أن يحوّل الكثير، لكنه يحتاج لنا بأن نرتبط به بايماننا وأن نعمل في مجتمعنا ضمن رسالتنا التي يذكرنا بها العيد، وأن نعيش بشكل مختلف مع رسالة المسيح وجهرها في ملكوت الله مع مثل الزارع الذي خرج ليزرع، دورنا أن نؤمن بالحبّة الصغيرة التي تنمو وتكبر ويصبح لها تأثير على المجتمع. عيدنا هو طفل صغير غيّر العالم، لكن تدريجيا وبمثابرة وايمان ورجاء لمساعدة مجتمعنا بأن نستعيد الثقة بأن يكون العيد في العام القادم أفضل.”

لوسي ثلجية، عضو بلدية بيت لحم لـ”الصنارة”: رسالتنا للعالم أن انظروا الى فلسطين وأهلها بطريقة إنسانية

ربما تكون مدينة بيت لحم أكثر الأماكن تضررا من الغاء مظاهر العيد الشعبية، حيث غيمت على المدينة وضواحيها أجواء من الحزن والظلمة، بدل الأنوار والزينة المعتادة في هذا الموسم، وعن ذلك قالت لوسي ثلجية، عضو بلدية بيت لحم لـ”الصنارة”: ” لأول مرة منذ ألفي عام على مجيء السيد المسيح، يتكون شعور بالظلام ولا يقدم أملا في المستقبل. ننظر الى غزة التي تعاني ونحن نعاني من اعتقالات واغلاقات. بيت لحم كانت الحاضنة لكل المحافظات الأخرى في موسم الميلاد، وكذلك لأهلنا في الداخل، بينما اليوم نحن أمام واقع مرير يواجهه الشعب الفلسطيني تحت القصف والدمار. ويوم السبت سيتم نصب تمثال العذراء ويسوع، في المكان الذي تنصب فيه الشجرة في ساحة المهد.” 

وتضيف ثلجية بأن أكثر القطاعات التي تضررت في بيت لحم هذا العام كان القطاع الاقتصادي والسياحي، وأضافت قائلة: “من المعروف أن غالبية السكان يعتمدون على السياحة، عندما تزدهر حركة السياحة فان الجميع يعمل لأن الاقتصاد دولاب وكل المصالح مرتبطة ببعضها البعض، لكن في الأوضاع الحالية فان 80% حاليا يعانون من البطالة، نتيجة الاغلاقات وعزل المدينة عن العالم الخارجي”.

واستطردت ثلجية قائلة لـ”الصنارة”: “كم صعب أن تشعر بالعزلة خاصة في موسم الميلاد، هذا الموسم المعروف بأنه الأكثر حيوية على مدار العام، والجميع ينتظره، الأهالي ينتظرون اضاءة الشجرة والأطفال ينتظرون سانتا كلوز وهداياه في العيد، والناس تفتقد للفرح، فالعيد منقوص هذا العام وحزين، ويقتصر على الطقوس الدينية فقط”.

واختتمت بتوجيه رسالة الميلاد من بيت لحم: “رسالتنا تتجسد بالواقع انه في الميلاد كل العالم ينظر الى مدينة بيت لحم التي شهدت ولادة يسوع المسيح، وهي مرآة لايصال رسالتنا للعالم، ان انظروا الى فلسطين وأهلها بطريقة إنسانية”. 

المحامي شادي شويري، رئيس مجلس كفر ياسيف المحلي لـ”الصنارة”: لا مكان لفرحة العيد وكافة الأهالي متفهمين لهذا القرار

لم يتلق جميع الناس قرار الغاء الاحتفالات بعيد الميلاد براحة وتفهم كاملين، وهناك من اعترض عليها وشهدت قرية كفر ياسيف نقاشا حول القرار الذي تحدث عنه المحامي شادي شويري، رئيس مجلس كفر ياسيف المحلي، قائلا لموقع وصحيفة “الصنارة”: “في مثل هذه الأيام من كل سنة، نكون في كفر ياسيف كما تعودنا جميعا في خضمّ احتفالات مهرجان ليالي الميلاد كريسماس ماركت ومهرجان اضاءة شجرة الميلاد، ولكن في هذه السنة ونتيجة لما يحدث في البلاد ونتيجة الأوضاع الأمنية بشكل عام، ونزولا عند رغبة مجلس الكنائس في القدس الذي قرر اقتصار الاحتفال بعيد الميلاد المجيد هذا العام على المراسم الدينية داخل الكنائس، وهذا الموقف هو الموقف الصحيح وهو القرار الإنساني المطلوب، لذا نحن نلتزم به”.

وأضاف شويري: “قرارنا جاء متماهيا مع قرار رؤساء الكنائس، وقمنا بإلغاء كل المظاهر الاحتفالية الجماهيرية ومسيرات العيد وأيضا الغاء مهرجان ليالي الميلاد. والأهلي في كفر ياسيف بغالبيتهم الساحقة، متفهمين لهذا القرار وكان الأمر طبيعيا بالنسبة لهم”.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا