الإمام أحمد عبد الوهاب والأرشمندريت أغابيوس أبو سعدة: “الصيام يوحدنا كجسد واحد برئتين مسيحية وإسلامية”

0 15٬733

play-rounded-fill
الصيام الأربعيني وصيام رمضان .. علاقة مباشرة مع الله والإنسان 

الإمام أحمد عبد الوهاب والأرشمندريت أغابيوس أبو سعدة لـ”الصنارة”:  الصيام رسالة من السماء لنا أن نكون يدا واحدة كجسد متحد برئتين مسيحية واسلامية


هلّ علينا موسم الصيّام هذا العام على موعد مع صيام شهر رمضان الفضيل لدى المسلمين والصيام الأربعيني لدى المسيحيين، حيث ابتدأ صيام رمضان في نهاية الأسبوع وبعد يومين مع بداية الأسبوع الجاري ابتدأ المسيحيون صيامهم الذي يسبق عيد الفصح. والصيام وفق جميع الأديان وعلى مرّ التاريخ شكّل أساسا من أسس تلك الأديان، ولدى شعوب وأقوام عديدة لما له من معان سامية وأهداف دينية واجتماعية وصحية. وبهذه المناسبة التقت صحيفة “الصنارة” كلا من الإمام أحمد عبد الوهاب والأرشمندريت أغابيوس أبو سعدة، للوقوف على معاني الصيام ودوره في تهذيب النفوس، من وجهات نظر اسلامية ومسيحية والتي جاءت متطابقة وتحمل ذات الرسالة الدينية والانسانية.

الإمام أحمد عبد الوهاب، إمام مسجد عمرو بن العاص سابقا في شفاعمرو، يعمل مدرسا ومحاميا لـ”الصنارة”: الدين في أصله لا يحمل معاني التفرقة، انما معاني المحبة ومعاني الانسانية الراقية

الصنارة: ما هي معاني وأهداف الصيام بشكل عام وفي رمضان بالذات؟

الإمام عبد الوهاب: الصيام في رمضان هو فرض الهي، لشهر واحد في السنة. الصيام محطة ايمانية، روحية، جاءت  لتعزز وتربط الانسان بالخالق سبحانه وتعالى، وطريقة ربط المخلوق بالخالق هي بترك كل التعلقات الدنيوية من شهوات وميول من طعام وشراب. وتبقى علاقة الانسان وطيدة بالله، وكأن هذا الشهر محطة وقود يتزود بها الانسان لباقي الأشهر والأيام. 

هناك عوائد وفوائد ومعان عديدة للصيام. الأول هو المعنى الروحي، بأن الانسان يحتاج إلى هذه الوقفة مرة في السنة، لكي يتذكر أولا خالقه سبحانه وتعالى، الذي أتم عليه نعمته الكبيرة من طعام وشراب. ويتذكر من خلال ترك الطعام والشراب كل الذين يعانون، كل المحتاجين، كل الذين حرموا من هذه النعمة، سواء من قبل الناس أو نتيجة أوضاع اقتصادية صعبة، فالصيام محطة يتذكر فيها الانسان أخاه الانسان، ويعرف احتياجات أخيه الانسان. الصيام جاء ليزيد الروابط الأسرية، وليدعم العلاقة الاجتماعية الانسانية بين أفراد الأسرة الواحدة، التي تلتقي وتلتئم وتجلس على مائدة واحدة. الصيام جاء ليعطي الانسان قوة في صحته، لأنه جاء في الحديث الشريف قول النبي: “صوموا تصحوا”. فالصيام يعطي تعزيزا لصحة الانسان، بواسطة ترك الطعام والشراب. الصيام يذكّر الانسان دائما بأن العبادة والطاعة والتقرب الى الله سبحانه وتعالى، أفضل السبل وأحسن الطرق. جاء الصيام ليعطينا هذا المعنى، حيث لا أحد يراك أو يشاهدك، فأنت تقوي العلاقة الخفية بينك وبين ربك سبحانه وتعالى، وهذا يزرع فينا كل الفضائل وكل المعاني الراقية، لأنك عندما تترك الطعام والشراب، لا تفعل ذلك من أجل مخلوق ما انما من أجل الخالق. هذا يجعلك أكثر مُراقِبا،  أكثر اطلاعا على عيوب نفسك وخفايا ذاتك. وأن الله تعالى يراك ويراقبك في كل أوضاعك وأوقاتك، هذا تعزيز للروح الايمانية.

الصنارة: رغم كل ما يحمله الصيام من معان ورسائل، لكن مؤسف ما نشهده من استمرار العنف والقتل والجريمة في مجتمعنا، كيف لنا أن نتوجه لمن يرتكب تلك الأفعال في هذا الشهر الفضيل ليرتدعوا ويتوقفوا عن أعمالهم؟

الإمام عبد الوهاب: نعتقد أن الصيام في رسالته الأولى والمشرقة ويبعد الأحقاد عن هذا الانسان وكما يترك الطعام والشراب وسائر النزوات عليه أن يترك نزوته في حب الانتقام وأذى الناس والاعتداء على حرمات الناس. نأمل أن تتغلغل معاني العبادة في نفوسنا أثناء أدائها وينتج عنها استقامة الانسان في حياته، هذه رسالة العبادة رسالة الصيام. الصيام جاء ليغرس في الانسان روح التسامح روح المحبة الأخوة وما نشاهده من مظاهر عنف في مجتمعنا لا تلتقي ولا تستوي ولا تتسم مع معاني الصيام ولا تتقاطع مع معاني هذه العبادة الكريمة، التي جاءت لتهذب الانسان وترفع أسهم الايمان من مقتضياته الانسانية المحبة، التسامح، المحبة وأن يعفو الانسان عن أخيه الانسان. ولعل هذا الشهر الكريم بمعانيه الراقية، السامية تذكرنا أنه علينا أن نتسامح وأن نفتح صفحة جديدة في حياتنا وأن نفهم انه لا حل إلا بالتسامح بالعفو بالصفح  وهذا على كل المستويات.

الصنارة: يتزامن صيام رمضان الفضيل هذا العام مع الصيام الأربعيني لدى المسيحيين، ماذا يعني ذلك وماذا تقول في هذا التزامن؟

الإمام عبد الوهاب: نحن شعب واحد، يجمعنا هم واحد ومصير واحد، وتجمعنا أصول واحدة، أصول الدين واحدة، لأن السماء قد خاطبتنا وربنا سبحانه وتعالى وجّه لنا هذا النداء بقوله: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ”. فهي دعوة السماء لنا جميعا أن نتحد ونتضامن على اختلاف مشاربنا، على اختلاف أماكن عبادتنا، كأن هذه إشارة ورسالة من السماء لنا بأنه عليكم أن تكونوا يدا واحدة، أن تأتلفوا، تتعاضدوا. إذا التواريخ اتفقت، فعليكم أن تتفقوا في كل شيء، وأن تلتقوا في كل شيء. وعليكم أن تنبذوا كل معاني وكل أشكال التفرقة، بكل مسمياتها وأنواعها، فالدين هو دين الألفة والمحبة والتسامح والترابط، وجاء هذا التوقيت ليربط الانسان بأخيه الانسان، ليقوي علاقة الانسان بأخيه الانسان، في عصر التكتلات، عصر الصراعات، عصر المسميات الزائفة التي تفرق الانسان عن أخيه الانسان. لم تكن التفرقة في يوم من الأيام، سواء في ديننا الاسلامي وكذلك في الدين المسيحي والدين اليهودي أو في أي دين، لأن الدين في أصله لا يحمل معاني التفرقة، انما معاني المحبة ومعاني الانسانية الراقية، بالتسامح ودفء العلاقات والود والعفو والصفح، ونأمل ونصلي لله تعالى، أن تعود أيام التسامح والمحبة، وأن يعفو الانسان عن أخيه الانسان، وأن تكون الأيام المقبلة أفضل باذن الله تعالى.

الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدة، الرئيس الروحي لرعية الروم الكاثوليك في حيفا لـ”الصنارة”: كشعب عربي متحد برئتين مسيحية واسلامية، نتمنى أن تقربنا هذه الصيامات من بعض

الصنارة: ما هي معاني وأهداف الصيام بشكل عام والصيام الأربعيني بالذات؟

الأرشمندريت أبو سعدة: الصوم هو انقطاع عن اللحوم والأجبان وكل مشتقات الحيوان، من منتصف الليل وحتى الساعة 12 ظهرا، وهناك القطاعة كل أيام الأسبوع، أما يومي السبت والأحد فلا يتم الصيام فيهما. هذا حسب تعاليم وتوجيهات الكنيسة، وكل كنيسة حددت شكل الصيام الجسدي أو الطعامي لمؤمنيها، استنادا إلى ما ورد في الكتاب المقدس.

أما الصيام الحقيقي، الصيام الايماني، ينطلق من ذاتك أولا، ومن بعدها تخرج إلى الخارج، أو تصعد فيه وليس العكس. وهذا يكمن في الانقطاع عن الشهوات والملذات الدنيوية والأرضية، وضبط اللسان والتطهير والتنقية الداخلية قبل الخارجية. وذلك من خلال الصلاة واليقظة والسهر على الذات، هذه قيم هامة جدا وأهمها الأخ الضعيف، الذي ذكره بالذات القديس بولس. وذكر في (أشعيا 58) أيضا حيث يتحدث عن الصوم مخاطبا محاوريه أنكم لم تنظروا الى الانسان الآخر، وهذا ما يجب أن نهتم به اليوم، خاصة في مجتمعنا الذي ينحو نحو نزعة الأنانية والاستهلاكية والانتهازية ونزعة عبادة الذات. الصيام يعلمك أن تنظر الى ذاتك وإلى الآخر، فاذا لم تحسن النظر للآخر هذا يعني وفق (متى 25) الذي يتحدث عن الدينونة، بأن كل ما فعلمتوه بأحد اخوتي الصغار فبي فعلمتوه، يعني أهم شيء بالصيام أن نعوّد عائلاتنا وأولادنا على الصيام، لأن المسيحية باتت في نظر البعض، فولكلور من موائد الطعام مثلا، ونسينا جوهر المسيحية.

الصنارة: لماذا الصيام الأربعيني ومن فرضه، وما علاقته بصيام السيد المسيح، له المجد؟ 

الأرشمندريت أبو سعدة: لا وجود لمفهوم الفرض في المسيحية، فالسيد المسيح – له المجد- قال لنا من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. وهو صام 40 يوما، وبالتالي قال لنا في إنجيل متى: “وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ“. فالصوم لك، وأبوك الذي يراك في الخفية يجازيك علانية. يمكن أن نقول بأن الصيام هو الوصية الأولى للانسان من الله تعالى، حين طلب من آدم وحواء أن يأكلا من كل شيء إلا شجرة واحدة، اعتبر آباء الكنيسة ذلك دعوة للصيام، لكن الانسان الأول كسر الصيام. ونحن نعود من خلال الصيام إلى هذه الحالة الأولى من الطهارة والنقاء، والتي تسمى في اللاهوت “الحالة الفردوسية”، أي عندما كنا نعيش في الفردوس أنقياء، ننظر إلى ذواتنا ولم يكن العري مشكلة، بل أصبح كذلك بعد الخطيئة. جاءت الكنيسة ونظمت موضوع الصيام لمؤمنيها، اعتمادا على الكتاب المقدس، الذي نعود إليه في مسألة الصيام كما في سائر المواضيع، وهناك أنواع عديدة من الصيام مثل صيام نينوى وغيره.

الصوم نهج حياة وليس 40 يوما فحسب، هذه فترة لتغييرنا وعبورنا من حالة الى حالة، حتى نواصل فيها دائما، وليس لنعود كما كنا من قبل.

الصنارة: يتزامن الصيام الأربعيني مع صيام رمضان الفضيل لدى المسلمين، ماذا يعني ذلك وماذا تقول في هذا التزامن؟

الأرشمندريت أبو سعدة: كشعب عربي متحد برئتين مسيحية واسلامية، نتمنى أن هذه الصيامات لتقربنا من بعض، وتبعد عنا الانشقاق والتفرقة والفتنة. أن تجعلنا ننظر الى الآخر نظرة المحبة والأخوة، بغض النظر عن الاختلافات العقائدية، والتي تعتبر علاقة خاصة وشخصية بين الانسان وخالقه، أن نغير رؤيتنا وأفكارنا، لا أن نصوم في حين لا نتبادل التهاني والتحية مع بعضنا البعض. هذه مناسبة للتأكيد على الثوابت التي نشأنا عليها بأن الدين لله والوطن للجميع.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا
/*
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div><\/div>"}; /* ]]> */