واشنطن- كشفت الحرب في أوكرانيا عن مشاكل واسعة النطاق في صناعة الأسلحة الأميركية قد تعيق قدرة جيش الولايات المتحدة على خوض حرب طويلة الأمد ضد الصين، وفقا لتقرير جديد.
وصدر التقرير منذ أيام عن مركز السياسات الإستراتيجية والدولية “سي إس آي إس” (CSIS) في واشنطن، وهو أحد أهم مراكز الأبحاث المتخصصة في الشؤون العسكرية.
وأشار إلى مخاطر وتهديدات تتعرض لها القاعدة الصناعية العسكرية الأميركية، إذ إنها ليست مستعدة بشكل كاف للبيئة الأمنية الدولية الموجودة الآن.
وأوضح التقرير -الذي جاء في 44 صفحة واطلعت عليه الجزيرة نت- أنه في حالة اندلاع صراع إقليمي كبير مثل الحرب مع الصين فإنه من المرجح ألا تلبي مخزونات الكثير من الأسلحة والذخائر الحالية التابعة للبنتاغون طلبات أفرع القوات المسلحة الأميركية.
ويكشف التقرير أن الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ 11 شهرا أظهرت أوجه قصور خطيرة في القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية، وهي بمثابة تذكير صارخ بأن الصراع الذي طال أمده يشكل تحديا كبيرا للصناعة العسكرية التي قد لا تستطيع تصنيع ما يكفي من الذخائر وأنظمة الأسلحة والمواد لتحل محل المخزونات المستنفدة خلال فترة قصيرة.
ويرى خبراء أنه مع احتمالات اندلاع صراع صيني أميركي بسبب تايوان فإنه يجب أن يكون الهدف هو دعم الطاقة الإنتاجية المطلوبة، لتمكين الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها من الردع.
وطالب التقرير وزارة الدفاع بالتنسيق مع الكونغرس، وذلك بوضع خطة سريعة تتضمن اتخاذ خطوات لتبسيط وتحسين الإنتاج، وعمليات الاستحواذ، والتجديد، والمبيعات العسكرية الأجنبية، وغيرها من السياسات والإجراءات، مؤكدا أن تنشيط القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية لن يحدث بين عشية وضحاها.
تأثير حرب أوكرانيا
وشملت المساعدة العسكرية الأميركية لأوكرانيا -التي وصلت قيمتها إلى أكثر من 24 مليار دولار- الآلاف من أنظمة الأسلحة والذخائر، مما ساعد أوكرانيا على الصمود حتى الآن.
ويقول التقرير إن حرب أوكرانيا ليست سوى جزء صغير من الصورة، والتحدي الأكثر إثارة للقلق هو كيف ستكون حالة القاعدة الصناعية العسكرية الأميركية إذا وقعت حرب أو أكثر، بما في ذلك في المحيطين الهندي والهادي، خصوصا مع تزايد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب التهديدات المستمرة من روسيا وإيران وكوريا الشمالية.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار روبرت بيرسون أستاذ العلاقات الدولية والخبير العسكري في أكاديمية ويست بوينت العسكرية التابعة للبنتاغون إلى أن الولايات المتحدة ستواصل الحفاظ على دعم قوي لأوكرانيا من خلال توفير الأسلحة وغيرها من أشكال المساعدات العسكرية، سواء كان ذلك من خلال مخزوناتنا الحالية، أو تسهيل عمليات النقل من حلفاء الناتو الآخرين، أو من خلال تسهيل تصنيع أسلحة جديدة يتم توفيرها مباشرة لأوكرانيا من الشركات المصنعة.
ناقوس الخطر
ووفقا لنتائج سلسلة من دراسات الأزمات والسيناريوهات المختلفة المتوقعة أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية على مدار عدة أشهر، فإن من المرجح أن تنفد بعض الذخائر مثل الذخائر بعيدة المدى والموجهة بدقة في أقل من أسبوع واحد في حالة اندلاع نزاع مع الصين في مضيق تايوان.
ومن شأن أوجه القصور هذه أن تجعل من الصعب للغاية على واشنطن الاستمرار في أي صراع طويل الأمد.
وعلى العكس من الولايات المتحدة تستثمر الصين بكثافة في الذخائر وتحصل على أنظمة ومعدات أسلحة متطورة أسرع بـ5 إلى 6 مرات من نظيرتها الأميركية، وفقا لبعض تقديرات الحكومة الأميركية.
وخلاصة التقرير أن “القاعدة الصناعية العسكرية الأميركية ليست مستعدة بشكل كاف للبيئة الأمنية التنافسية الموجودة الآن، وهي تعمل حاليا بوتيرة أكثر ملاءمة لبيئة وقت السلم”.
أهم الأسلحة المهددة
وعدّد التقرير الكثير من نظم الأسلحة التي تعاني نقصا حادا في مخزوناتها، وعلى رأس هذه القائمة نرصد 3 أسلحة كان لها دور كير في صمود الجيش الأوكراني أمام الروس.
- صواريخ “جافلين” (Javelin)، وهي صواريخ دقيقة طويلة المدى مضادة للدبابات محمولة على الكتف، وتتميز بسهولة الاستخدام وفعالية كبيرة، وتم منح أوكرانيا 8500 صاروخ، وهو ما كان له دور فعال في وقف الهجوم الروسي الأولي.
- نظام صواريخ المدفعية عالية الحركة “هيمارس”، نقلت الولايات المتحدة 20 نظاما صاروخيا فقط إلى أوكرانيا، ونظرا لأن الأرقام منخفضة جدا وخط الإنتاج ساخن فإن استبدال ما وصل إلى أوكرانيا سيستغرق سنتين ونصف السنة.
- صواريخ “ستينغر” (Stingers)، شحنت واشنطن إلى أوكرانيا 1600 صاروخ، وتحتاج وزارة الدفاع إلى 6 سنوات لتعويض ما حصلت عليه كييف، إذ يمكن أن تنتج 350 صاروخا كل عام.
خيارات واشنطن
وقال بيرسون -الذي تحدث بصفته الشخصية- إنه لا يتصور أن “الولايات المتحدة ستحد من دعمها أو تخزن أسلحتها بسبب أوجه القصور التي أشار إليها هذا التقرير، ولكن إذا كان صانعو السياسات حكيمين فسوف يدرسون قضايا الإمداد التي كشفت عنها حرب أوكرانيا، وسيتعلمون الدروس المناسبة، وسوف يجرون التغييرات اللازمة لمواجهة التحديات من التهديدات الأخرى في السنوات القادمة”.
من جانبه، يرى ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح في معهد بروكينغز أن “المعدل السريع لاستهلاك الأسلحة والذخيرة في الحرب الروسية الأوكرانية يدفع البنتاغون إلى إعادة تقييم ما يحتاج إليه في مخزوناته لطوارئ الحرب”.
وذكر بايفر للجزيرة نت أن “حرب أوكرانيا تتمتع منذ فترة طويلة بدعم الحزبين، وسيبقى الدعم الأميركي للمجهود الحربي في أوكرانيا”.
وكان الكونغرس قد انتبه لهذه الأزمة، وخصص تمويلا وفيرا في 4 برامج تكميلية بلغ مجموعها 113 مليار دولار لتعويض الأسلحة التي تم تقديمها لأوكرانيا.
من ناحية أخرى، أشار التقرير إلى تأسيس البنتاغون مؤخرا فرقة عمل من كبار المسؤولين لدراسة سبل تمكين وزارة الدفاع من تبسيط إجراءات عقود تصنيع الأسلحة، بهدف وضع أنظمة الأسلحة الأميركية بسرعة أكبر في أيدي الجيش الأميركي وحلفاء واشنطن حول العالم.