كيف يمكن الخروج من هويتنا الممزقة بل من هوياتنا المتعددة؟
قراءة في كتاب سعيد نفاع “عرب الـ 48 الهوية الممزقة بين الشعار والممارسة” (1)
زياد شليوط – شفاعمرو – الجليل
أهداني الصديق الكاتب سعيد نفاع، الأمين العام “للاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين – الكرمل 48″، آخر إصداراته كتاب “عرب الـ 48 الهوية الممزقة بين الشعار والممارسة”، المكون من 159 صفحة من القطع الكبير. والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات سبق ونشرها الكاتب على مدار سنوات في الصحف والمواقع المحلية، وقد ارتأى أن يطلق عليها تسمية “درامقاليات – سيافكرية” باعتبار أنها تفوق المقالة ولا تصل إلى درجة الدراسة وتجمع بين السياسة اليومية والفكر الدائم. وقد سبق لي أن قرأت معظم تلك المقالات – ان لم يكن جميعها- عندما نشرت في أوقاتها، وهذه المرة قرأتها تباعا خلال يومين فقط، ولا شك أن البون شاسع بين القراءتين، خاصة وأنه لا يمكنك إلا أن تتعامل مع هذه المقالات فكريا دائما وليس سياسيا آنيا فحسب.
الهوية هل هي خيار أم فرض، قناعة أم تجمل؟
يتناول الكاتب عدة مواضيع تقض مضجعه وتجعله مهموما لها وتتمحور حول الهوية، هذه الهوية التي تعرضت لتقلبات وعوارض مختلفة أثرت فيها وقولبتها في أكثر من قالب، ويملك من الشجاعة ما يجعله لا يتوانى ولا يخجل من وضع الأمور في نصابها دون تأتأة او مواربة، مؤكدا أن عربنا حملوا الجنسية الإسرائيلية ليس مرغمين انما بفعل الممارسة اليومية “ولمحض ارادتنا وأكثر برغبتنا ومهما تجملنا بفلسطينيتنا”. (ص 8 و26) ويأتي بأمثلة من واقعنا في العقد الأول لقيام دولة إسرائيل حيث كانت المدارس العربية الرسمية تحتفل بـ”عيد استقلال إسرائيل”، ويتبارى الشعراء والمربون في كتابة القصائد والقاء الكلمات التي تمجد إسرائيل وتماهيا معها باعتبارها “دولتنا الفتية”. وبالمقابل يعتبر رفعنا للهوية الفلسطينية ما هي إلا عملية تجميل في أحسن الأحوال وضريبة كلامية، لذا يضع القوى الوطنية والأحزاب تحت المحك بدعوته الصريحة لاعتماد صيغة مغايرة لتحديد الهوية والانتماء الفلسطيني برفع الخطاب السياسي نحو اعتبار أنفسنا فلسطينيين، يشملنا حق تقرير المصير ولا يقتصر على أبناء مناطق الـ 67 والشتات.
واستمرارا لأزمة الهوية يتعرض الكاتب في مقال “التوأم العربي المسيحي” (ص 83-89) إلى مسألة تقض مضاجع المسؤولين في الكنيسة والناشطين فيها وكذلك الهيئات الوطنية، وهي تراجع أعداد المسيحيين العرب أبناء البلاد نتيجة الهجرة أولا، ولا يخشى كاتبنا أن يجهر بالحقيقة التي خجل المسيحيون العرب الإشارة لها ومن بينهم المرحوم الدكتور جريس خوري، مدير “مركز اللقاء للدراسات في الأراضي المقدسة”، حيث يشير المقال إلى البحث الذي قام به د. جريس مطلع عام 2010(2)، ويرى نفاع الى أن الحل في مسألة الهوية يكمن في تعزيز التواصل الوطني “فلا يعقل أن يكون مهددا كذلك من داخلنا بخلق الاغتراب فيما بيننا بأيدينا، اعتداءات وتغييب من ناحية وتقوقع من الأخرى”. (ص 88)
إن موضوع الهوية يجب أن نعالجه بكل روية ومن الضروري بعيدا عن العاطفية. فهويتنا في نظر الأجيال الجديدة تختلف عنها لدى أبناء الأجيال السابقة، وتعريفها يختلف أيضا بحكم الموقع الجغرافي. ومن خلال مراقبتي للموضوع على مدار سنوات، رأيت بأن هويتنا تعرضت للتغيير ولم تكن على شكل واحد طوال الوقت، واليوم بالذات وبعد المشهد المؤلم حولنا يستدعي الموضوع دراسته مجددا والنظر إليه من جوانبه المختلفة بعيدا عن الآراء المسبقة والشعارات المعلّبة.
الحزبية والطائفية تنافر ظاهري وتحالف باطني
يتطرق الكاتب إلى موضوع العنف والاجرام الذي بات مصدر قلق لأبناء مجتمعنا، وانتقل النقاش حوله الى العلن بيننا حول من هو المذنب في انتشار وتفاقم هذه الآفة، وكاتبنا لا يعفي السلطة من مسؤوليتها، لكنه يجاهر بأن العنف موجود في موروثنا الحضاري بكل مكوناته ومصادره ويدعو المسؤولين في مجمعنا لأخذ دورهم في الحد من هذه الظاهرة، فهل هم قادرون فعلا على تحقيق أي خطوة إلى الأمام في هذه المسألة الشائكة؟!
واستمرارا لذلك فان كاتبنا لديه حساب مفتوح مع الأحزاب العربية واليسارية من خلال تجربته الشخصية الواسعة معها، وهناك من يأخذ عليه بعض المآخذ لكن ذلك لا يمنعه ولا ينقص من حقه في مناقشة تلك الأحزاب. كما أن موضوع الطائفية أكثر ما يمقته كاتبنا التي تسود في قرانا المختلفة، والتي زرعتها وغذتها السلطة أسوة بالعنف، وفشلت أحزابنا الوطنية في مواجهتها لأنها تساوقت معها لمصالح انتخابية، فتراجعت قوة الأحزاب وتغلغلت الطائفية في ظهرانينا.
ويرى نفاع بأن التوجه السليم وطريق الخلاص لأزمات طوائفنا يكمن في “ترسيخ وتثبيت والحفاظ على الانتماء الوطني القومي لطوائفنا دون تعصب ودون شوفينية” (ص 79).
الكتاب حافل بمواضيع يجب اخضاعها للتشريح بمشاركة واسعة
تزامن صدور الكتاب مع اشتعال الحرب الحالية الدائرة في غزة ومؤخرا في لبنان، مما حال بين الكاتب وبين تناول موضوع الحرب وتأثيرها على الهوية والسلوك السياسي للعرب في دولة اسرائيل، وتطرق الكاتب للموضوع في آخر مقالين من مقالات الكتاب، وفيهما ناقش مسألة حرية التعبير من الناحية القانونية والأخلاقية، ولم يكن بالإمكان معالجة الموضوع من جوانبه المختلفة، خاصة في مسألة الهوية والانتماء التي شهدت تحولات جديدة تستدعي النظر والدراسة.
من مميزات أسلوب الكاتب استخدامه للتعابير العامية وخاصة الساخرة منها في متن المقال، وكان بإمكان الكاتب استخدام تلك التعابير لو أنه كتب الدراسة، لكن في المقالات يسمح لنفسه بذلك وبأريحية، والتعابير العامية يوظفها بنجاح لتعطي المعنى القوي والواضح لشكل لا تقوى عليه التعابير الفصيحة في هذا المجال. ومن تلك التعابير اخترت مجموعة: “يرعاني جلدي، يتقربط، التعن أبو جد الشعب، قلع شلش الحياء، كفك على الضيعة، محيّك منديله، ما حدا يحط الحد في مارسه”.
ومن سلبيات تجميع المقالات في كتاب واحد الوقوع في تكرار الأفكار والنصوص، وذلك ناتج عن كون المقالات كتبت ونشرت في أوقات متفاوتة، وربما لم يهتم الكاتب بمراجعتها بالدقة قبل نشرها في كتاب، أو أنه أبقى عليها عن قصد، لكني كقاريء لها دفعة واحدة أرى أنها أساءت للكتاب نفسه، فما حاجتي لقراءة بعض المواقف والآراء أكثر من مرة في الكتاب وهل عادت علي بالفائدة! وعلى سبيل المثال أشير إلى بعضها: تكرار ذات الفقرة ص25 وص 52، تكرار ذات الفقرة ص 46 وص 91، هذا ناهيك عن فقرات من مقالات مختلفة أثبتها الكاتب في مقدمة الكتاب “تكملة للتقدمة وتأشيرة دخول للأطروحات” كما جاء في تبرير الكاتب ص 8.
هذه الملاحظات لا تنتقص من أهمية الكتاب وما طرحه الكاتب في مقالاته، والتي تستوجب التعمق أكثر والتوسع أكثر فيها، لكن مساحة المعالجة الصحفية لا تتيح لنا ذلك، ولعل الزمان يتيح لنا مستقبلا الولوج إلى القضايا المطروحة في الكتاب بتوسع، أو يقدم آخرون على فعل ذلك. ولا يسعني في خاتمة مقالي هذا، إلا أن أتمنى لكاتبنا سعيد نفاع المزيد من العطاء وطرح القضايا الحساسة، التي يجب أن نضعها تحت المشرحة بكل جرأة لتشذيبها وتحسينها.
- سعيد نفاع – عرب الـ 48 الهوية الممزقة بين الشعار والممارسة، دار الرعاة وجسور، رام الله وعمان، 2024
- يمكن الاطلاع على نتائج الاستفتاء بالتفصيل وقراءة تحليل واسع حوله، في مجلة “اللقاء” العدد 3-4، السنة الـ25، 2010