يقدم ممثل أفلام الحركة العجوز أرنولد شوارزنيغر في الجزء الأول من مسلسل “تدمير” (Fubar)، الذي يعرض حاليا على شاشة نتفليكس، درسا يتجاوز السينما، إلى التحذير من الوجه الآخر لهوليود، الذي يبتلع العمر ويستغل الشهرة المتاحة حتى لو فقد صاحبها -بحكم الزمن- كل ما يميزه ، أو يسبب شهرته.
وآرنولد شوارزنيغر واحد من أساطير الثمانينيات والتسعينيات في السينما العالمية، وقد ساهم مع رفاقه “رامبو” و”روكي” وغيرهم في رسم صورة أسطورية لنجم الحركة الأميركي الذي يمكنه وحده أن يهزم جيشا بكامله، كما ساهم التكوين الجسماني العملاق للممثل ذي الأصول النمساوية بانتشار رياضة ألعاب القوى في العديد من البلدان في العالم.
ولم يكتف نجم الحركة الأميركي بالنجاح السينمائي والرياضي، بل احتل أيضا قمة سياسية خاصة في الولايات المتحدة الأميركية إذ أصبح الحاكم رقم 38 لولاية كاليفورنيا للفترة 2003 وحتى 2011.
وبعد مشوار حافل بالنجاحات، يعود شوارزنيغر المولود عام 1947 والمحمل بآثار الزمن، ليلعب دور عميل مخابرات قادر على القفز والتدمير والعمل المخابراتي، وعلى قيادة فرق عمل خارج البلاد لإنقاذ العالم من أسلحة نووية تسربت إلى أيدي تجار غير شرعيين.
ويحاول صانع العمل في البداية أن يؤسس لفكرة أن المخابراتي العجوز هو ضابط وعميل كفء، قرر التقاعد لاستعادة أسرته التي دمرها انشغاله بعمله، ورغم المظاهر الثمانينية والحركة البطيئة للممثل، فإن انتظار دراما مختلفة قد يدفع للصبر قليلا على الجد شوارزنيغر.
حكاية مستعارة
تدور أحداث ” فوبار” (Fubar) للكاتب والمنتج نيك سنتورا حول عميل مخابرات أميركي يقرر التقاعد، لكن رؤساءه يضغطون عليه للاستمرار لعملية واحدة. يكتشف العميل العجوز أن ابنته زميلة له وأنها مقاتلة وعميلة قوية. ويستعرض المسلسل المفارقات التي تنتج عن ممارسة السلوك الأبوي مع الابنة في عمل ميداني عنيف يتطلب الانضباط والحسم.
يتأمل المشاهد قصة أب وابنته يعملان في وكالة المخابرات المركزية الأميركية لسنوات، لكن كل منهما أبقى مشاركتهما في وكالة المخابرات المركزية مخفية عن الآخر، مما أدى إلى أن تكون علاقتهما بأكملها كذبة هائلة. وعند معرفة تورط بعضهما البعض، يضطران إلى العمل معا كشريكين، وعلى خلفية العمل في التجسس، يتعرف كل منهما للآخر حقا.
المفارقة الدرامية حول اكتشاف حقيقة الزوجة أو الابنة ليست جديدة على شوارزنيغر الذي يجتر ماضيه، إذ قدمها في فيلم شهير هو “أكاذيب حقيقية” (True Lies) للمخرج الأسطوري جيمس كاميرون، وحقق حينها نجاحا كبيرا.
وفي المسلسل الجديد، يكتشف العميل أن ابنته زميلة له في العمل، ولم يكن مكان اكتشاف هذا السر في مكتب أحد القادة وإنما في الميدان، حيث يقترب من زحام ومشهد قتال عنيف حين يصل إلى غويانا في أفريقيا متنكرا للقبض على المجرم ومصادرة السلاح النووي، ليجد امرأة تقاتل بثقة غريبة لدرجة أنها تدخن سيجارة بينما توجه لكمة إلى أحدهم.
وبعيدا عن اللامعقول والنمط الأقرب إلى معارك بعض أفلام بوليود، فإن كاتب الحوار كان يدرك -على ما يبدو- أنه يقدم عملا يحتاج بشدة إلى دعائم خارجية لينتصب لشدة ضعفه وعدم قدرته على الصمود، فقدم حوارا حاول أن يبدو خفيفا وكوميديا تستخدم التورية في الحوار.
وجاءت محاولة كاتب الحوار طموحة أكثر من اللازم وتميزت بمحاولة فرض كوميديا لا مكان لها، فجمع العمل بين سخافة الكوميديا وضعف المنطق.
الأسطورة الأميركية
نجح العميل لوك في مشواره المخابراتي، لكنه فشل تماما في بناء حياة زوجية، حيث طلقته زوجته بعد أن فضل الرجل الاهتمام بعمله (خدمة الوطن) على رعاية بيته، وتحاول الابنة التي يجمعها العمل به أن تعاتبه، فتؤكد له أنه كان يمكن أن يختار عملا مكتبيا، يحدث هذا بينما تزامله في المعارك وتختار خياراته نفسها في تناقض غريب، تبرره بقولها “أنا لم أكون أسرة بعد”.
التناقض الذي يعيشه بطل العمل وينتقل إلى ابنته بسلاسة، لا ينفي الغضب من الأب، الذي يعد موروثا ثقافيا أميركيا، انطلق منذ ستينيات القرن الماضي في الواقع كما في السينما، لكن الغاضبين من آبائهم في ستينيات القرن الماضي وأبناءهم وأحفادهم، أصبحوا حاليا هم الأجداد والآباء الذين نجحوا في التخلص من الميراث الأبوي، لكنهم يتمسكون بوجودهم في الصدارة، والنموذج الواضح لذلك ليس شوارزنيغر في السينما فقط؛ بل في كل مجالات الحياة الترفيهية، إذ يقف الشباب خارج نطاق المسؤولية حتى تبيض شعورهم بينما كبار السنّ في القارة يسيطرون على الإمبراطورية.
وتكمن الكوميديا الحقيقية في مشهد لرجل يعلم المشاهد جيدا أنه تجاوز الـ75 في الحقيقة، وأن يقدم دور رجل قد يكون في الـ65 -كحد أقصى في العمل- وهو يقفز من سيارة مسرعة إلى أخرى، ويستقر حاملا سلاحا آليا على الأرض، ليطلق الرصاص على مجرم أصاب ابنته / زميلته في العمل في كتفها برصاصة، ولم يكتف بذلك، ولكنه أطلق الرصاص بينما يغني بإيقاع أغاني الطفولة للابنة محذرا من المساس بها.
ولم يكن فريق عمل المخابرات الأميركية الذي فيه شوارزنيغر وابنته بأقل خفة سواء من حيث الأداء أو الدراما من باقي العمل، إذ يصلح معاونوه ورؤساؤه لإدارة معسكر كشافة لتدليل الأولاد، وشخصنة المهام، خاصة أن أنجح رجالهم -وهو العميل لوك- لم يكن يعلم شيئا عن ابنته العميلة المحترفة للجهاز، بينما كان هو كبير العملاء.