نُشرت في الأيام الأخيرة معطيات عن عمليات البحث عن “تمويل” السيارات في البلاد من قبل المواطنين، وتظهر وفق هذه المعطيات أن نسبة كبيرة من المواطنين في البلدات العربية يبحثون عن شركات تمويل عبر الإنترنت بشكل يومي، بالإضافة إلى ارتفاع عمليات شراء السيارات بطريقة “التمويل” داخل المجتمع العربي.
في منطقة الشمال، تصدرت عكا ويافة الناصرة وسخنين القائمة بعمليات البحث، تلتها شفاعمرو والمغار وطمرة. أما في منطقة الشاطئ (المثلث الشمالي)، تصدرت مدينة كفر قرع عمليات البحث عن تمويل السيارات، وفي منطقة المثلث الجنوبي كانت كفر قاسم في صدارة البلدات العربية، تلتها الطيبة.
وفقاً لهذه المعطيات وبالرغم من الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المجتمع العربي بالذات في البلاد جراء الحرب وارتفاع نسبة البطالة وانخفاض الدخل المالي على العائلات العربية وفقاً لكافة المعطيات الرسمية من التامين الوطني والسلطات المحلية ، الا ان عمليات البحث عن شراء السيارات وفق سياسة التمويل ما زالت مستمرة.
مدقق الحسابات محمود محاجنة تحدث عن هذه المعطيات في المجتمع العربي قائلاً :” هذا ما يسمى عدم ادراك حساسية المرحلة التي نعيشها في البلاد ، المجتمع العربي للاسف اقولها يغرد خارج السرب لا يعلم ماذا يجري او يحصل في البلاد من ازمات اقتصادية على الرغم انه هو الاكثر تضرراً من غلاء المعيشه كونه صاحب الدخل المادي الشهري الاقل في البلاد مقارنة في المجتمع اليهودي وفقاً لكافة المعطيات ، ومع هذا نرى بشكل يومي المئات يشترون السيارات الجديدة ليس من مالهم الخاص بل اكثرهم من خلال طريقة “التمويل” مع فوائد مالية كبيرة بسبب اوضاع البلاد وهَم لا يعلمون ولا يدركون كم يدفعون فائدة على هذا القرض الي حصلوا عليه من اجل شراء السيارة”.
واضاف محاجنة :”حينما ترى شاب او اسرى شابة ( زوج وزوجة) دخلهما الشهري لا يتجاوز الـ 10 الالاف شيكل يذهبون لشراء سيارة ثمنها 250 الف شيكل مع دفعة شهرية تتجاوز الـ 3500 شيكل بالاضافة لمبلغ التامين المرتفع مع البنزين والتلزماتها لترتفع الدفعة الشهرية للسيارة الى الـ 5000 شيكل ( الي نصف الدخل المالي وعند الكثيرين اكثر من النصف) ، دون دفع فواتير الكهرباء والماء وضريبة الارنونا والتزامات المنزل والالتزامات في البنك مثل قروض او بطاقة الاعتماد ، وهنا تقع العائلة في مصيدة “المينوس” ، لتغرق بها شهراً بعد شهر حتى تلجأ للحصول على قرض بنكي جديد مع فوائد مرتفعة ، وكل هذا الامر بسبب اتخاذ قرار شراء سيارة فوق القدرة المالية للعائلة من اجل المظاهر الاجتماعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع”.
واختتم محاجنة حديثه قائلاً :” نحاول قدر المستطاع رفع نسبة الوعي ولكن يجب على المواطنين العرب ان يدركوا ان حياة المظاهر ليست اساسية والسيارات وزيارة المطاعم وتغيير الهواتف بشكل مستمر وشراء الملابس بمبالغ كبيرة لا يتناسب مع هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد ، ومن يستطيع توفير مبلغ بسيط في هذه الايام سيجده في الاشهر القادمة التي بكل تاكيد ستكون اكثر صعوبة من هذه الايام”
“مجلس الافتاء الاسلامي في البلاد يتحدث عن ظاهرة التمويل”
حكم شراء سيارات بعدة طرق متداولة اليوم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله :
على اعتبار أنّها عقود ربوية: المجلس الإسلامي يحرّم شراء سيارات بعدة طرق متداولة اليوم
أصدر المجلس الاسلامي للافتاء في البلاد فتوى تحرّم شراء السيارات عن طريق (מימון \ ליסינג بنوعيه)، وذلك على اعتبار أنّها عقود ربوية، وإن تغطت بغطاء بيع التقسيط والإجارة. وحذّر رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء د.مشهور فوّاز محاجنة من الخداع بالأسماء التي تصرف الأذهان والأنظار عن الحقائق والمسميات. وكان الحوار كالآتي:
ما هي حقيقة وماهية العقود التي تعرف باسم (מימון \ ליסינג תפעולי\ ליסינג מימוני)؟
د.مشهور فوّاز : ما يعرف بـ (עסקת מימון ) هو عبارة عن عقد بيع بين الشخص، الذّي يريد أن يشتري سيارة، وبين وكيل الشركة، بحيث تموّل السيارة عن طريق البنك، وذلك بأن يُقرض البنك مريد السيارة قرضاً بلا ربًا بأقساط محددة، ويحوّل البنك الفائدة الربوية المستفادة من وراء هذا القرض على الشركة.
وهذا بلا شك عقد محرّم، فيه تحايل على الربا بصورة واضحة، وذلك أنّ مريد السيارة- وإن لم يدفع الربا- إلاّ أنّه سبب في إنشاء معاملة ربوية هو يعلم بها. ولا يجوز للمسلم أن يكون سبباً في إنشاء أو إبرام عقد محرم. فقد ثبت لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال” كلّهم في الاثم سواء.
وأمّا بالنسبة لشراء السيارات عن طريق (ליסינג ) فهو على نوعين: هناك (ליסינג תפעולי )؛ وصورته أن يتفق شخص مع شركة يستأجر عن طريقها سيارة لمدة محددة، وبعد انتهاء مدة الإيجار إمّا أن يتملك السيارة أو أن ينشيء صفقة استئجار جديدة عن طريق (ליסינג תפעולי )، وإلاّ يدفع غرامة مالية. وبموجب هذا العقد تبقى ملكية السيارة لشركة الاستئجار وصيانة السيارة وتأمينها على الشركة.
وتكمن في هذا العقد إشكاليات ومخالفات شرعية من وجوه عديدة، أبرزها:
أ. الزام الزبون بشراء السيارة عند انتهاء عقد الاستئجار، فهذا من قبيل بيع وشرط. وقد ثبت النهي عن ذلك بصريح الأحاديث الصحيحة.
ب.اشترط الغرامة المالية في حالة عدم شراء السيارة أو عدم تجديد صفقة، وهذا يعتبر أيضاً شرطا باطلا يؤثر على صحة العقد.
ج.كون الأقساط مربوطة بمستوى الأسعار، وجزء منها بزيادة ربوية. وقد صدر عن المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حرمة ربط الأقساط المؤجلة بغلاء المعيشة ومستوى الأسعار.
وأمّا النوع الآخر، فهو (ליסינג מימוני) أو ما يسمى بـ (חכירה מימונית) أي العقد التمويلي، وصورته أن يذهب الزبون لشركة السيارات، ويتفق معهم على أن يحضروا له سيارة، وبعد أن يوقع معهم على الاتفاقية تتوجه الشركة إلى البنك أو جهة ربوية تمويلية أخرى وتأخذ قرضاً ربوياً، ثمّ تشتري السيارة وتبيعها للزبون بأقساط عن طريق شيكات توضع في حساب الشركة في البنك الممول، وتكون هذه الأقساط مربوطة بغلاء المعيشة.
وتبقى ملكية السيارة في هذا العقد للشركة، وتكون مرهونة للبنك. وبعد إتمام دفع الأقساط تبقى نسبة من قيمة السيارة إذا دفعها الزبون تنتقل ملكيتها إليه، وإذا لم يدفعها، فإما أن يتعاقد معهم بصفقة جديدة أو يلزم بغرامة مالية. وعلى الرغم من أنّ ملكية السيارة للشركة إلاّ أنّ الذي يلزم بصيانة السيارة وتأمينها هو الزبون.
ويعتبر هذا العقد أكثر العقود شيوعاً في السوق.
ويعتبر هذا العقد محرماً لأسباب عديدة، أبرزها:
1. أنّ المسلم يكون سبباً في إنشاء معاملة ربوية هو يعلمها. فشركة السيارات لا تتوجه إلى البنك إلاّ بعد أن يوقع لهم الزبون على اتفاقية الشراء. وقد بيّنا أعلاه أنّه يحرم الاشتراك في إنشاء معاملة محرمة، ولو بالدعم المعنوي، فضلاً عن الدعم المادي.
2.كون الأقساط في هذه المعاملة مربوطة بمستوى الأسعار، وهو تحايل على الربا.
3.يتخلل هذا العقد شرط محرم وباطل؛ وهو شرط الغرامة المالية في حال عدم شراء السيارة عند نهاية الأقساط، بما تبقى من ثمنها أو إبرام صفقة جديدة.
ما سبق تفصيله يتعلق بشراء سيارات غير مستعملة (يد أولى)؛ فهل ما سبق أعلاه من التفصيل ينطبق أيضاً على شراء سيارات مستعملة (يد ثانية مثلاً)؟
د. مشهور فوّاز: في حالات شراء السيارات المستعملة عن طريق هذه الشركات، فإنّ الملكية تكون تامة للشركة، ولكنها تكون مرهونة للبنك، وتباع من قبل الشركة للزبون بأقساط غير ربوية، ولكن لا تنتقل الملكية إلى الزبون إلاّ بعد سداد الأقساط وتكون هذه الأقساط مربوطة بغلاء المعيشة.
والإشكال الشرعي في هذه الصفقة؛ وإن كانت بصورة أقساط غير ربوية، من وجهين:
الأول: ربط الأقساط بغلاء المعيشة، وهذا تحايل على الربا، كما قلنا، فضلاً عمّا فيه من الجهالة والغرر.
الثاني: عدم انتقال الملكية على الفور، وإنما تتوقف الملكية إلى حين إتمام الأقساط. وفي شرعنا الإسلامي تنتقل الملكية بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول، ولو كان الثمن مؤجلاً، بحيث يسمح للمشتري بيع وهبة وتأجير المبيع وسائر التصرفات المالية. وإذا توفي ينتقل المبيع إلى ورثته. وهذا ليس متحققاً في هذا العقد؛ فاشتراط تأجيل انتقال الملكية يتنافى مع ماهية العقد، ما يسبّب بطلانه باتفاق الفقهاء.
ما هو البديل لشراء السيارات بطريقة وصورة شرعية؟
د. مشهور فوّاز: البديل الشرعي هو أن تبيع هذه الشركات السيارات بصورة أقساط غير ربوية ولا مربوطة بجدول الغلاء، وأن تنتقل الملكية إلى المشتري على الفور. فلا يجوز تأخير نقل الملكية إلى حين انتهاء الأقساط، ولكن في إمكان الشركة رهن السيارة رهنا ائتمانياً، بحيث بموجبه يقبضها المشتري وتكون بحوزته وفي ملكيته، ولكن لا يسمح له ببيعها ولا نقلها عن ملكيته لغيره إلاّ بعد اتمام الأقساط.
فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم: 53/2/6: “يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة “.
وجاء في قرار مؤتمره السادس سنة 1410هـ، حول الرهن العقاري أنه: لا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة”.
وهذا مذهب الحنابلة. جاء في “كشاف القناع” (3/189):”فيصح اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فلو قال: بعتك هذا على أن ترهنّيه على ثمنه، فقال: اشتريت ورهنتك؛ صح الشراء والرهن” انتهى.
وكذلك لا يجوز أخذ قرض من البنك لتمويل هذه الصفقة، ولو كان الآخذ هو الشركة، كما في صورة עסקת מימון و ליסינג מימוני. كما أنّه لا يجوز اشتراط غرامة مالية في حال تأخير قسط من الأقساط. وفي إمكان الشركة- لضمان حقها- أخذ كفلاء ترتضيهم وتطمئن إليهم، أو ارتهان عقارات ونحو ذلك.
وإذا كانت الشركة لا ترغب في نقل الملكية إلى المشتري فيمكنها أن تتفق مع الزبون على عقد إيجار لمدة محددة، ولا بأس أن تكون طويلة، وفي نهاية المطاف- بعد سنتين أو ثلاث أو أكثر- تخيّر الشركة المشتري بين شرائها أو فسخ العقد. ولا يجوز إلزامه بالشراء أو تجديد صفقة أو غرامة مالية كما هو الحال في (ליסינג תפעולי ).
كما لا يجوز ربط الأقساط بغلاء المعيشة، ولا اشتراط غرامة مالية. ويجب أن تكون نفقات صيانة وتأمين السيارة- في حالة الاستئجار- على الشركة المؤجِّرة، وليس على المستأجر.
كلمة أخيرة توجهها إلى جمهور القراء…
د. مشهور فواز: أوجه إلى إخواني وأخواتي القراء الأعزاء البرقيات الآتية:
1.لا تنخدعوا بالأسماء عن المسميات والمضامين. فليس هناك بيع تقسيط مع شركات السيارات بلا ربا. ولو ادعوا ذلك وسمّوه بغير اسمه إلاّ أنّه في الحقيقة ربا.
2.أؤكّد على أنّ الربا من السبع الموبقات. وحرمة الربا لا تلحق آكله فحسب، بل وموكله وكاتبه وشاهديه، وفي جميع العقود السابقة إعانة على إنشاء معاملة ربوية، وإن لم يكن المسلم فيها مباشراً بدفعه.
3.أناشد أهل الاختصاص، من المحاسبين والقانونيين، التوجه إلى مثل هذه الشركات وطرح البديل الشرعي عليها، فلعلّهم يستجيبون، وهذا ما نتوقعه. والذي أعلمه أنّ أحد الإخوة المحاسبين الثقات توجه إلى بعض الشركات، وقد استشارنا كإفتاء في البديل الشرعي، وقدّم هذا الطرح على هذه الشركات. وبعد أن درست الطلب وافقت عليه. وفي المستقبل القريب ربما نسمع عن إبرام صفقات شرعية، وعندها سندعم ونؤيّد ونبارك.
4.نحذّر وكلاء هذه الشركات في مجتمعاتنا من التغرير بالناس ودفعهم إلى الوقوع في مستنقع الربا، تحت شعارات خداعة براقة.
ونحن في مجلس الإفتاء أبوابنا مفتوحة لكل من يأتي لنا ببديل شرعي جاد لندعمه وندعو إليه ونحثّ عليه…..
والله تعالى اعلم
المجلس الاسلامي للافتاء