أعلنت أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة “الأوسكار” منذ أيام قليلة ترشيحاتها لجوائز عام 2023، لتفجر مفاجأة وصول فيلمين يمثلان أجزاء ثانية لأفلام قديمة إلى قائمة ترشيحات الجائزة الأهم “أفضل فيلم”، وهما “توب غن مافريك” (Top Gun: Maverick) و”أفاتار: طريق الماء” (Avatar: The Way of Water).
أما فيلما “غلاس أونيون” (Glass Onion) و”بلاك بانثر: وأكاندا فوريفر” (Black Panther: Wakanda Forever) فقد تم حجبهما ولم يحصلا على شرف الترشيح لهذه الجائزة، ولكن ترشحا في فئات أخرى. فلماذا غيرت الأوسكار سياستها المعتادة هذا العام في نبذ الأجزاء الثانية من الأفلام؟
الأوسكار تعيد النظر في الأجزاء الثانية
على مر تاريخ الجائزة، الذي اقترب من 100 عام، اعتادت الأكاديمية تجاهل الأجزاء الأخرى من الأفلام، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم فقط فيلمان من جزء ثان وهما “العراب 2″ (The Godfather Part II) و”ملك الخواتم: عودة الملك” (The Lord of the Rings: The Return of the King)، وقليلة هي الأفلام التي حصلت على ترشيح في هذه الفئة من الأساس، منها “ماد ماكس: فيوري رود” (Mad Max: Fury Road) و”قصة لعبة 3″ (Toy Story 3).
الجزآن الأولان من كل من “توب غن” و”أفاتار” كان لهما أيضا تاريخ في جوائز الأوسكار، فـ”توب غن” إنتاج 1986 ترشح لـ4 جوائز أوسكار، ليس من بينها أفضل فيلم، وفاز بجائزة واحدة هي أفضل أغنية أصلية.
بينما “أفاتار” إنتاج 2009، فاز بأوسكار أفضل تصوير وأفضل مؤثرات بصرية وأفضل ديكور، وترشح لجوائز أخرى منها أفضل فيلم، التي خسرها لصالح الزوجة السابقة للمخرج جيمس كاميرون كاثرين بيغلو وفيلمها “خزانة الألم” (The Hurt Locker).
وهذا العام، حصل “توب غن” على 4 ترشيحات بالإضافة إلى أفضل فيلم، هي أفضل صوت وأفضل نص مقتبس وأفضل أغنية وأفضل مؤثرات بصرية، بينما حصل “أفاتار” على ترشيحات في فئات أفضل صوت وأفضل ديكور وأفضل مؤثرات بصرية.
على الجانب الآخر، الجزء الأول من فيلم “أخرجوا السكاكين” (Knives Out) لم يترشح لجائزة أفضل فيلم لكن حصل على ترشيح أفضل سيناريو، وهو المسار ذاته الذي اتخذه الجزء الثاني من فيلم “غلاس أونيون” (Glass Onion) بترشيح واحد لجائزة أفضل سيناريو مقتبس هذه المرة.
بينما دخل فيلم المخرج “ريان كوغلر” لعام 2020 “بلاك بانثر” التاريخ بكونه أول فيلم إنتاج مارفل يُرشح لجائزة أفضل فيلم، ولكن لم يحصل عليها وفاز بدلا منها بجوائز أفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصميم أزياء وأفضل ديكور.
وهذا العام لم يصل الجزء الثاني “بلاك بانثر: واكاندا فوريفر” إلى ترشيحات أفضل فيلم، ولكن حقق لمارفل أول ترشيح في فئة التمثيل حصلت عليه الممثلة “أنجيلا باسيت” كممثلة في دور مساعد، بالإضافة إلى ترشيحات في فئات تصميم الأزياء، والأغنية الأصلية والمكياج والمؤثرات البصرية.
سعي الأوسكار لمزيد من المشاهدات
حقق “توب غن مافريك” و”أفاتار: طريق الماء” إيرادات كبيرة في شباك التذاكر، فالأول ظل الفيلم الأعلى إيرادا في 2022 حتى صدر الثاني، بينما يعد أفاتار العمل المنتظر للصعود على عرش أعلى فيلم إيرادا في التاريخ كما يراهن مخرجه نفسه، ومن ثم نالا تقدير الجمهور ولجان الجوائز، ولو فاز أي منهما بالأوسكار هذا العام سيكون ذلك سبقا مميزا.
ولا يمكن إنكار المزايا الفنية لكل من “توب غن مافريك” و”أفاتار: طريق الماء”، فكل منهما حاول الخروج من دائرة الجزء الثاني الذي يستغل النجاح التجاري للجزء السابق إلى إبداع فني مميز بذاته.
وعزز ذلك الفترة الطويلة التي فصلت كل فيلم عن سابقه، ففي حالة “توب غن” بلغ الأمر أكثر من 3 عقود، بينما في “أفاتار” امتدت الفترة بين الجزأين إلى 13 عاما، وقد قرر مخرجه جيمس كاميرون الاستمرار في العمل عليه حتى الوصول إلى أفضل نسخة ممكنة منه.
كذلك يشترك الفيلمان في الاستخدام المبهر للمؤثرات البصرية الحديثة، التي لم تكن متوفرة في الجزء الأول، فمشاهد الطيران كانت بالفعل خاطفة للأنفاس ومتقدمة للغاية في فيلم “توب غن”، وكان الجزء الأول من “أفاتار” سابقة في عالم المؤثرات البصرية بالفعل، ولكن الجزء الثاني استغل التطور التكنولوجي بالشكل الأمثل لتظهر الصورة الخاصة به خيالية للغاية، وفي الوقت ذاته واقعية وقابلة للتصديق.
ولكن هل هناك سبب خفي وراء هذين الترشيحين؟ هل هي محاولة لإنقاذ الأوسكار من التراجع كجائزة جماهيرية؟
ليس الأمر سرا أن حفلات توزيع جوائز الأوسكار مثل باقي الجوائز تلقت ضربات موجعة في السنوات السابقة، فحفل توزيع الجوائز رقم 94 العام الماضي كان ثاني أقل حفل أوسكار مشاهدة على الإطلاق، والأقل من حيث معدلات التقييم، بمشاهدين بلغوا فقط 16.6 مليونا، أما الأقل على الإطلاق فهو حفل عام 2021 الذي تم بشكل افتراضي بسبب وباء الكورونا وشاهده 10.4 ملايين مشاهد فقط.
حتى قبل الوباء فإن مشاهدات حفل توزيع الجوائز كانت في تراجع مستمر، فعام 2020 بلغ عدد المشاهدين 23.6 مليونا، وهو رقم أقل من النصف بالنسبة للسنوات السابقة، وبالتأكيد هناك أسباب متعددة وراء هذا التراجع، ولكن واحدة من أهمها -وفق بعض النقاد- أن الجوائز أصبحت في السنوات الأخيرة لا تعكس اهتمامات الجمهور وما يشاهدونه في دور العرض أو على المنصات.
وبدا الأمر لسنوات كما لو أن الأوسكار تتعالى على مشاهديها وأذواقهم، واختيار الأفلام الأعلى إيرادا والأكثر جماهيرية دليل على محاولة الأكاديمية إثبات أنها لا تزال قادرة على تقدير اختيارات الجمهور العادي وليس فقط النخب الثقافية والسينمائية.
وسيتم تسليم جوائز الأوسكار في الثاني من مارس/آذار القادم، في حفل منتظر يحاول فيه القائمون على الأكاديمية استعادة سحرها القديم بعد تراجع معدلات مشاهدتها في السنوات السابقة بصورة مستمرة.