المحامي عماد دكور في مقابلة خاصة بـ”الصنارة”:
إقرار “الإصلاحات” في الجهاز القضائي سيفقدنا فتات العدالة التي تمنحنا إياه المكمة العليا
*المعادلة التي بموجبها اسرائيل هي دولة إحتلال لا تتماشى مع الديمقراطية التي تدّعيها*الدوافع من وراء “الإصلاحات”:حماية نتنياهو من المحاكمة،اليمين الإديولوجي، الإستيطان الفاشي،الحريديم الذين يريدون التمويل والإعفاء من الخدمة العسكرية ،التغلب على القانون الذي يمنع درعي من إشغال منصب وزير*نحن العرب نعيش بانفصام شخصية إزاء هذا الإنقلاب الدستوري وسنكون أول وأكثر المتضررين منه*
محمد عوّاد
أرجأت لجنة الدستور والقانون البرلمانية, يوم أمس الأول الأربعاء, التصويت على مشروعيّ القانون لتغيير تركيبة لجنة اختيار القضاة ومنع الرقابة القضائية على قوانين أساس, وذلك بعد أن كانت جلسة اللجنة صاخبة, علماً أن الائتلاف الحكومي كان قد قرّر الأسبوع الماضي فصل النقاشات حول خطة الإصلاحات في الجهاز القضائي والتركيز على هذين المشروعين من أجل التسريع في عملية التصويت.
وعلى ما يبدو فإنّ الائتلاف الحكومي ماضٍ في خطته لإجراء انقلاب في الجهاز القضائي رغم الاحتجاجات ومعارضة معظم الخبراء القضائيين والاقتصاديين. حول هذا الموضوع أجرينا هذا اللقاء مع المحامي عماد دكور.
الصنارة: الائتلاف الحكومي عاقد العزم على إجراء ما يسمونه خطة الإصلاح في الجهاز القضائي. كيف سيصبح الجهاز القضائي فيما لو أُقرت هذه الخطة؟
المحامي دكور: بداية دعني أُوضّح أننا من ناحية دستورية نعيش في دولة فريدة من نوعها على الكرة الأرضية. فلا يوجد فيها دستور ولا قوانين أساس تحمي حق المساواة للمواطن بتاتاً. فهناك حقوق أساسية للمواطن لا توجد لا في القوانين ولا في القوانين الأساسية بل هي نتيجة لقرارات في محكمة العدل العليا..
الصنارة: ولا أيضاً في قانون كرامة الإنسان وحريته؟
المحامي دكور: هذا خطأ يقع فيه الكثيرون, فلا يوجد في قانون كرامة الإنسان وحريته ضمان لحق المساواة أبداً. فالحكومات والبرلمانات الإسرائيلية رفضت على مدى 75 عاما سن قانون يمنح المواطن, كمواطن, حق المساواة أمام جميع القوانين. وهذا هو، عملياً وجوهرياً ، التناقض بين ديمقراطية الدولة ويهوديتها. فهناك قوانين تعطي للمواطن اليهودي امتيازات لا تعطيها للمواطن العربي. وفي حال سن قانون لحق المساواة كقانون أساس, ستحصل تناقضات. فحتى عندما سنّوا قانون القومية رفضوا تضمينه بنداً, للمساواة ولو بشكل نسبي أو جزئي للمواطنين العرب. وحتى بعد أن أقام المجندون في الجيش من العرب المظاهرات الكبرى, رفضوا إعطاءهم حماية لحق المساواة..
الصنارة: الصورة قاتمة بالنسبة لنا حتى قبل الإصلاحات. فماذا سيصبح وضعنا بعد الإصلاحات؟
المحامي دكور: بعد الإصلاحات ستكون أوضاعنا أسود من سوداء. فعمليّاً عندما يختل التوازن في لجنة تعيين القضاة ويصبح فيها أغلبية للحكومة, عندها لن يبقى الجهاز القضائي مستقلاّ. والأمر الثاني, عندما تسن الكنيست قانوناً يمنحها الصلاحية لإبطال كل قرار تصدره محكمة العدل العليا لن تبقى حماية للمواطن ولا لحقوقه أبداً. كما أنه عندما يتحول المستشارون القضائيون للحكومة وللوزراء الى ألعوبة في يد الوزراء عندها سيصبح النظام فاسداً, نظام واسطات, نظاماً متخلّفاً, فاسدا من رأسه الى أخمص قدميه. ونرى ما الذي يسعى الوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف الى سنه من قوانين. نرى أنهم يريدون سن قانون يسمح لرئيس الحكومة أخذ الأموال من أصدقائه لتمويل الإجراءات القضائية خاصته. كل يوم يطلعون بقانون يُشرعن الفساد ويشرعنعدم دستورية الوضع القائم مع أننا كأقلية عربية نعاني من الجهاز القضائي ومن المؤسسة, ولا نعيش بالعدل المُطلق, وقد ذكرت أكثر من مرّة أن محكمة العدل العليا تجاه المواطن العربي ليست محكمة ولا عدلاً ولا عليا..
الصنارة: لماذا؟
المحامي دكور: كنت قد أعطيت مثلاً في السابق, بأن محكمة العدل العليا هي نفسها التي شرعنت الاستيطان ومصادرة الأراضي وأموراً أخرى أجحفت بحقوق المواطن العربي. فإذا أخذنا مواطناً فلسطينياً في الضفة الغربية فإن محكمة العدل العليا هي التي شرعنت مصادرة أرضه لإقامة مستوطنة فيها, بعد ذلك شرعنت مصادرة أرضه لفتح طريق لهذه المستوطنة ثم شرعنت قراراُ لمنعه هو نفسه من استخدام الشارع الذي صادروه من أرضه, لأنه أصبح بشكل خطراً على أمن المستوطنة التي أُقيمت على أرضه. فهل هذا عدل؟! كلا طبعاً. لذلك فإن محكمة العدل العليا كانت وما زالت الغطاء القانوني أمام العالم لعدم محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. وعملياً إسرائيل معرّضة لأن تفقد هالة الدفاع هذه.
الصنارة: ومع هذا نتعامل مع محكمة العدل العليا كملاذ أخير طلباً للإنصاف من الظلم؟!
المحامي دكور: نحن كأقلية عربية نتعامل مع الوضع بحالة انفصام شخصية, فمن ناحية نحاول الحفاظ على وضع يعطينا فتاتاً من العدل وفتاتاً من الحماية أمام المؤسسة الحاكمة في الجهاز القضائي, ولكن من ناحية أخرى نحن معرّضون لأي خطر ممكن. لذلك نرى أنّ هناك عدم مشاركة من المواطنين العرب في المظاهرات, ومن ناحية أخرى, اذا بقينا غير مبالين سنفقد الحماية البسيطة الموجودة لنا كأقلية عربية. لذلك نحن موجودون في مأزق دستوري وفي مفترق طرق: نريد المحافظة على الفتات ومن ناحية أخرى نحن, في أحسن حال, لا توجد لنا حماية لجميع حقوقنا. فإسرائيل لم تقتنع لغاية اليوم بأن المعادلة التي بموجبها هي دولة احتلال لا تتماشى مع الديمقراطية التي تدّعيها. فطالما هي تواصل الاحتلال ستستمر في هضم حقوق المواطنين, في الوقت الحاضر العرب, ولكن لاحقاً سيعاني اليسار من هذا الأمر, وآمل أن يصحوا باكراً فلا يمكن الاستمرار بالاحتلال وبالديمقراطية المطلقة.
الصنارة: هل الدوافع لهذه “الإصلاحات” هدفها حماية نتنياهو أم أن هناك أسباب إيديولوجية أيضاً؟
المحامي دكور: الدوافع هي كالتالي: بالنسبة لنتنياهو الدافع الأساسي والرئيسي هو ليحمي نفسه من الإجراءات القضائي ويحاول الفرار من استمرارية الإجراءات القضائية ضده. ولهذا السبب حصل لديه تغيير كبير في موقفه فبعدما كن يدافع بقوة عن الجهاز القضائي وبصوت عالٍ, أصبح اليوم أوّل المنقلبين على الجهاز القضائي. وبالنسبة لليمين, هناك اختلاف بين اليمين الإيديولوجي الذي يعتقد أن الجهاز القضائي الذي يعطي حقوقاً معينة يقف أمامهم كحاجز يمنعهم من الاستمرار من تنفيذ سياستهم الممنهجة ضد كل المعارضين لأفكارهم, سواء أكانوا من اليسار اليهودي أو المواطنين العرب.
والفئة الثالثة هم المستوطنون على أشكالهم, سواء أكانوا من جماعة سموتريتش أو بن ڠڤير, بالنسبة لهم القوانين والجهاز القضائي يشكلان عائقاً أمام تنفيذ سياستهم الفاشية العنصرية. وبالنسبة لليهود المتدينين الحريديم فإن المحكمة التي تطالبهم بالمشاركة في الخدمة العسكرية أو المدنية تُعتبر بنظرهم عائقاً كبيراً, لذلك يؤيدون تغيير القوانين الدستورية في البلاد كي لا تُلزمهم محكمة العدل العليا بالخدمة العسكرية أو حتى المدنية. يريدون الاستمرار بما هم عليه, لا يخدمون ولا يعملون وفي نفس الوقت يريدون الاستمرار بالحصول على المخصصات الشهرية لمدارسهم الدينية.
وهناك دافع آخر من وراء هذه “الإصلاحات” وهو تغيير الوضع القانوني على العوائق القانونية من أجل تمكين آرييه درعي من إشغال منصب وزير, خاصة بعد قرار المحكمة الأخير الذي منع درعي من إشغال منصب وزاري بعد إدانته وبعد أن قام بغش المحكمة عندما وعد بصفقة الإدانة بأنه سيعتزل الحياة السياسية وهكذا أصبحت المحكمة العليا عائقاً أمامه.
للتلخيص: هناك اختلاف تاريخي بين اليهود المتدينين الحريديم وبين اليهود الفاشيين العنصريين والاستيطانيين وبين اليمين الإيديولوجي الموجود قسم منه في الليكود وفي الأحزاب اليمينية وبين أصحاب المصلحة أي نتنياهو وعائلته والمجموعة التي حوله.
الصنارة: في جميع الأحوال المواطنون العرب في عين العاصفة ؟
المحامي دكور: نحن موجودون في وضع لا نُحسد عليه. فمن ناحية فقدنا فتات العدالة والحماية القانونية وقد نكون معرّضين في خضمّ أي معركة عسكرية, قد تكون مبرمجة لأن يقوموا بتهجير بعض بلداتنا.