أحبّتي…
ونحن على أبوابِ عامٍ جديدٍ، نوّدعٌ عامًا مضى، نستقبلُ العامَ الجديدَ بروحٍ متغايرةٍ وأشواق لسنة فيها أخبار سارة على الصّعيدِ الشخصي وعلى الصعيدِ العام.
نودّعُ سنةً كثُرتْ فيها التقلباتِ وكثُرتْ فيها الأخبارَ المحلّيّةَ والإقليميّةَ، وأُخذلَ البعضُ منّا نوعًا ما في نهايتها حيث لم تتحقّقُ الكثيرُ منْ أمانينا وتوقّعاتِنا، ولكنّها مرّتْ دون أن تَحسِبُ لنا حسابًا، فقد كان في جُعبتِها ما أدهشَ العالمَ أجمع وقلَبَ موازينَ الأقاليمِ العالميّةِ بشتّى الطرقِ دون أن تحسِبَ لهم حسابًا، فما كان في جُعبتها أصرّتْ أن يتحقّقَ بحذافيرِهِ وبتفاصيلِهِ الصغيرةِ، كثيرون تكهّنوا ذلك وكثيرون عادوا إلى الكتبِ المقدّسةِ والّتي أوْحَتْ وأعطتْ إشاراتٍ وعلاماتٍ للأحداثِ المستقبليّةِ والّتي حدثَتْ بالفعلِ على أرضِ الواقعِ، بالفعلِ كانت سنةُ مثيرةُ جدًّا!.
كثيرونَ منّا تفاءَلوا في بدايتِها ووضعوا نَصْبَ أعينِهِم أمنياتٍ أرادوا تحقيقها ووعودًا أرادوا تتميمها، منها الصّغيرةَ ومنها الكبيرةَ وكم منّا وقفنا في بدايتها معلنينَ هذا وذاك وسوف أعملُ، أقومُ، أحقّقُ وأُنجزُ … حدِّثْ ولا حَرَج!!!، ولكنّها بجديتها أتت وفاجأتْهُم دون الإكتراثِ بأمانيهم وخططهم معلنةً لهم أنَّ كلَّ هذه الامنيات والاحلام يمكنها ان تنتظرَ تحقيقها في سنةٍ أُخرى، ” لدي برنامَجي وواجبي” أقومُ به أولًا وأُجري ما احمله في جعبتي.
سنة 2023 أقلقتْ كثيرون منّا، باتَ يسألُ الناس ماذا لو؟، ولماذا يحدثُ؟ وكيف ممكن هذا وذاك؟، علينا أن نعلمَ أنَّ الأزمنةَ والأوقاتِ هي بيدِ القديرِ سُبحانهُ تعالى.
يقولُ الكتابُ المقدّسُ في سفرِ أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ7 : 1 “فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلْأَزْمِنَةَ وَٱلْأَوْقَاتَ ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلْآبُ فِي سُلْطَانِهِ”، أي أنّه مهما قمنا بمجهودنا البشريّ بحساباتِنا وترتيباتِنا في تغييرِ وتحويلِ الظروفِ والأزمنةِ إلّا أنّها تحتَ سيطرةِ القديرِ ومهما حاولنا التّلاحم والتلائم في هذه التخطيطات الإلهية ظانّينَ أنّها لربما تنجح لنجعلها مريحة لنا، ولكن على أرضِ الواقعِ نفشلُ !!!.
الله ليسَ مسيطرٌ فقط على الأزمنةِ والأوقاتِ وجاعلها لسبب وبهدف أن يرى الإنسانُ عظمتَهُ بل ليرى أيضًا مجدَهُ وقلبَهُ ويعرفَ فكرَهُ، وعندما نقول: “مهما جرى من أحداثٍ حولَنا والتغيراتُ الإقليميّةُ والديموغرافيّةُ والسياسيّةُ، إنَّ الله لديهِ الكلمةُ الأخيرةُ”، وهو القوّةُ المحرّكةُ لكلِّ هذهِ الظروفِ والأحداثِ ولا أشكَّ ابدًا في صلاحِهِ وأمانتِهِ وقدرتِهِ العظيمةِ.
مرّتْ هذه السنةُ؛ وبصراحةٍ أنا شخصيًّا، أرى كثيرًا منَ الأمورِ لم تكُنْ سيّئةٌ، بل رأيتُ يدَ الله فيها وإحسانَهُ وصلاحَهُ فاقَ تصوُّري الشخصيّ، فقد حفظَنا وحمانا في الكثيرِ منَ الأحيانِ، أعطانا صحَّةً وعافيةً في أحلكِ الظروفِ، حفظَنا بسلامِهِ العجيبِ في أكثرِ من يومٍ، وحمايَتُهُ الإلهيّةُ كانت وافرةٌ في أكثرِ من مرّةٍ، سدّدَ لي ولعائلتي كلَّ اِحتياجٍ ماديٍّ، روحيٍّ وجسديٍّ، لذا أُعطي المجدَ لله وحدَهُ، لأنَّها كانت سنةُ مباركةُ، بالرغمِ منَ الظروفِ حولنا، إنّني أثِقُ بيدِ القديرِ الّتي تعملُ ليلًا ونهارًا لخيرِ البشريَّةِ.
أمّا ما نتوقّعُهُ في السنةِ الجديدةِ فهوَ فقط محاولاتِ الإنسانِ لقلبِ موازينِ الأمورِ لينالَ منها راحةَ البالِ وراحةً لنفسِهِ عالِمًا في قرارةِ قلبِهِ أنَّهُ فقط يخمّنُ ما سيحدثُ في هذه السنةِ، منَ الجميلِ أن نعيشَ هذا التفاؤلَ وهذه الروحَ الإيجابيَّةَ، وأن نُؤمنَ أنَّ الله سيصنعُ موسمًا جديدًا في حياتِنا، وواقعًا جديدًا في معيشتِنا، وأنَّ الله في هذه الأيام بالذاتِ يُعلنُ للإنسانِ أنّهُ ما زالَ مسيطرٌ ولديه الكلمةَ الأخيرةَ في كلِّ احوالنا وفي كلِّ الظروفِ، يقولُ الوحيُ في كلمةِ الرّبِّ منْ إنجيلِ يوحنا 1 : 1-3، “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ”، أي أنَّ الانسانَ عليهِ أن يسألَ الله عن كلمتِهِ الأخيرةِ، وأن لا يبحَثَ عن شيءٍ آخرَ سوى “كلمةَ الله”، وأنَّ الله أعلنَ لنا الفرجَ والنورَ الحقيقيَّ من خلالِ “كلمتِهِ الحيَّةِ”، فمهما أتت السنةُ الجديدةُ بحلَّةٍ جديدةٍ إلّا أنَّها بالفعلِ حُلةٌ قديمةٌ، تحملُ في طيّاتِها أمورًا قد أُعلنتْ للبشريَّةِ منذُ القديمِ، أؤمنُ أنَّ هذهِ السنةُ سوفَ يَتِمُّ تتميمًا لوُعودِ الله لبلادِنا وللبشريَّةِ، أؤمنُ أنَّ روحَ التفاؤلِ والإيجابِ يجبُ أن تغلبَ روحَ التشاؤمِ للسّلبيّاتِ، وأنّي بقلبٍ صادقٍ أشجّعَكُم في هذه الأيامِ أن تدعوا الله إلى بيوتِكم كما يقولُ في سفر إشعياء 55 : 6 “اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ٱدْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ”، هو قريبٌ منّا ويسمعُ دُعانا، لنعيشَ التقاربَ منَ الله ومن قلبهِ، لندعو الله بقلبٍ صادقٍ لنؤمنَ أنَّهُ سامعُ الصلاةِ ويهمُّهُ أمرَنا وحياتَنا، وهوَ الوحيدُ الّذي يعلمُ ما نحتاجُ إليهِ في هذه الأيامِ.
في سفرِ المزامير 91: 15-16، “يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي ٱلضِّيقِ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. مِنْ طُولِ ٱلْأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلَاصِي”.
لذا دعونا في بدايةِ السنةِ ندعو الله إلى بيوتِنا وإلى عائلاتِنا ليحرسَنا ويحفظَنا وليجعلَ يدَهُ القديرةَ على أحوالِنا، وقلبَه الحنونَ على أولادِنا ولنصلي لأجلِ السلطاتِ والسلاطينَ وكلّ الّذين هم في منصبٍ ليمنحَهم الله روحَ الحكمةِ، وروحَ السلامِ ليكونَ لنا سلامًا في هذه السنةِ، لننظرَ بتفاؤلٍ وإيجابٍ منتظرينَ الرحمةَ السماويَّةَ من عند الله متمنّينَ للبشريَّةِ أجمعَ عامًا جديدًا مليئًا بالخيرِ ودوامِ الصحةِ وهداةِ البالِ.
كلَّ عامٍ وأنتم بألفِ خيرٍ
مَوَدَّتي
القس المربي – رضوان شحادة
الناصرة 2023