القس المربي – رضوان شحادة :””أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ”

أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ”

وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَخَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ، متى5: 13.

هذه العبارةُ من أجملِ العباراتِ وأعمقها معنًا ورسالةً، قالها السّيّد المسيحُ لتلاميذه واتباعه، لم يَقُلْها لأي شخصٍ عاديٍ بل كانت هادفةٌ وذاتمعنًى عميقًا، مفهومًا وقويًّا للمؤمنِ، وهذا ما حثّني لكتابةِ هذا المقالَالخاصَّ في هذا العددِ.

لقد تمَّ نشرُ إحصائيّاتٌ أخيرةٌ لسنةِ 2023-2022 عن تعدادِ السكانِفي البلادِ، ممّا لفتَ اِنتباهي عن عددِ المسيحيّينَ الّذين يقطنونَ البلادَ في السّنةِ الأخيرةِ، وبحسبها أصبحَ عددُ السّكّانِ المسيحيّين في هذهِ البلادِأكثرُ من 180 ألفَ نسمةٍ أي ما يُعادلُ 1.9 بالمئةِ منَ التّعدادِ السّكّانيّالعام، من بينِهِم حوالي 30 ألفَ منَ المسيحيّينَ الغير عرب، أي أنَّ هذه النّسبةَ تقريبًا 1.6 بالمئةِ فقط وهيَ النّسبةُ الحقيقيّةُ للمسيحيّينَ العرب.

هذا العددُ ولو كانَ قليلًا إلّا أنّهُ ذاتَ تأثيرٍ كبيرٍ في وسطِ البلادِ عامّةًوبينَ سُكّانِ العربِ خاصّةًُذكرُ أنَّ عددَ السّكانِ العربِ الإجماليّ في البلادِ هوَ 20 بالمئةِ تقريبًا) ممّا يحثّني للسّؤالِ: هل لهذا العددِ القليلِوالنّسبةِ القليلةِ ذاتَ الهويّةِ  المميّزةِ سندًا للصمودِ في وسطِ هذا المجتمعِ، ما مدى تأثيرِها العام بل وأكثرَ من ذلكَ هل يرى الآخرونَ مدى أهميّةِ هذا الوُجودِ؟.

اَلجوابُ أسرُدُهُ في عدّةِ أسطُرٍ أكتبُها لنرى ونعرفَ الإجابةَ على كلِّهذهِ التساؤلاتِ:

تتركّزُ النّسبةُ الكبيرةُ من المسيحيّينَ العرب في شمالِ البلادِ، الجليلِوحيفا (حوالي 70 بالمئةِ) من بينِ المجتمعِ العربيِّ المسيحيِّ، تملكُ ما يُقاربَ4-5 مستشفياتٍ خاصّةٍ وأكثرَ من 30 مدرسةٍ كنسيّةٍ تخدمُ أكثرَ من 35 ألفَطالبٍ، ولديها مؤسّساتٍ كثيرةٍ وجمعياتٍ مختلفةٍ تخدمُ المجتمعَ العربيَّالإسرائيليَّ ككل دون التّمييزِ بينَ عرقٍ، جنسٍ، دينٍ ولا محايدةٍ  لأي طرفٍكان، فقد خرّجتْ هذه المدارسُ العديدَ من قادةِ المجتمعِ، أطباءَ، محاميّينَ، مهندسينَ، معلّمينَ والكثيرِ منَ المثقّفينَ الّذينَ يَتَبَوَّؤونَ مناصبَ عاليةًاجتماعيًّا، إمّا على الصّعيدِ المحليِّ أو على الصّعيدِ العالميِّ.

لا شكَّ أنَّ الكنائسَ والمدارسَ وكلَّ هذه المؤسساتِ لعبتْ دورًا وطنيًّا مهمًّا في ترسيخِ الانتماءِ للوطنِ، حبَّ المجتمعِ وخدمةِ الانسانِ، ممّا ساهمَ في وضعِ أكثرَ من حجرِ أساسٍ للمفهومِ ضرورةُ الوجودِ والكيانِ المسيحيِّ في البلادِ.

وإن كانَ العددُ قليلٌ والنّسبةُ ضئيلةٌ إلّا أنَّ تأثيرَها العامَّ كبيرٌ، تمامًا مثلَ الملحِ في الطعامِ، لكلِّ من يهوى الطبخُ والعملُ في المطبخِ يُدركُ جيّدًا مدى أهميّةِ وجودِ الملحِ في الطعامِ، الملحُ يغيّرُ مذاقَ الطبخةِ ويلذّذُها، الملحُيعقّمُ، يطهّرُ ويحفظُ (هذا ما كان يفعلُهُ أجدادُنا في الماضي حينَ لم تكُنْثلّاجاتٌ لحفظِ الطعامِ ولا برّاداتٌ لحفظِ الأكلِ منَ الجراثيمِ أو التّلفِ).

فهكذا المجتمعُ العربيُّ المسيحيُّ في البلادِ، له صبغةٌ وقوةٌ مؤثّرةٌ كالملحِفي وسطِ المجتمعِ العربيّ خاصّةً والإسرائيليّ عامّةً، كثيرونَ يرمقونَ مناصبَعاليةً في أعمالِهم وأشغالِهم وفي مواقعِ سُكناهم، مميّزونَ في وجودِهم وتأثيرِهم واضحٍ جدًّا، إضافةً على ذلك، فوجودُهُم مهمٌّ في هذهِ المواقعِكرجالٍ ونساءٍ سبّاقين وقياديّينَ، يعملونَ بكَدٍّ وبتفانٍ لأنَّ إيمانَهم بالخالقِيُملي عليهم هذه التّعاليمَ السّماويّةَ:

وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ،” (كولوسي 3: 23).

بل وأكثرَ من ذلك نسمعُ كلَّ صباحٍ جديدٍ عن خبرٍ مفرحٍ آخرَ هذا الشخصَ او هذه الشخصيّةَ تبوّءَ منصبًا جديدًا وموقعًا جديدًا، ممّا يزيدُنا فخرًا واعتزازًا ولا يخفى انَّ المنافسةَ تكونُ قويّةٌ، كبيرةٌ وشرسةٌ إلّا أنّ هؤلاءَهمملحُ الأرض“، لا يكلّونَ ولا يستسلمونَ لهذه المنافسةَ بل يخوضونَها بأيمانٍ قويٍّ بتعاليمِ سيّدِهم ووعودِهِ منَ الكتابِ المقدسِ:

وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلًا صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَىيَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (فيليبي 1: 6)

إنَّ سرَّ نجاحِ هؤلاءِ الأشخاصِ يكمنُ بالأساسِ في التّربيةِ البيتيّةِالحميمةِ للأهلِ والعملِ الدؤوبِ  في صقلِ الشخصيةِ لأبنائِهم واثراءٍ لمعرفةِوتعزيزِ الإنسانيةِ منذُ الصّغرِ، الدعوةُ للأيمانِ أن تكونَ إنسانًا يحبُّ ويخدمُالجميعَ، ويحبُّ الله والوطنَ ممّا يجعلُ منكَ مميّزًا وكوكبًا يضيءُ وسطَ ظلمةِهذا العالمِ، يضعونَ نصبَ أعينِهم نجاحَهم وتميّزَهم. فما يزرعُهُ الإنسانُإياهُ يحصدُ، التربيةُ البيتيّةُ هي الأساسُ وباقي الأطرِ مثلَ المدرسةِ وغيرِها هي مكمّلةٌ لما يبدأه في البيت.

أنا لا أستثني ولا أهمّشُ أحدًا بل أردتُ أن أُبرزَ أهميةَ وتأثيرَ هذه المجموعةِ الصغيرةِ والتي أنتمي إليها بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ مشدّدًا بإيمانٍصادقٍنحنُ ملحُ الارضِ ونحنُ نورُ العالمِ، لا أحدُ يقدرُ أن يسلبَ منّا هذا اللقبَ ولا يقدرُ أن يغيّرَنا، بل نبقي كما نحنُ وحتى إن هوجِمْنا أو هوجمتْ مؤسساتِنا او كنائسَنا فنبقى صامدينَ في هذه الأرضِمتمسّكينَ في تُرابها راجينَ منَ الله مساندتِنا ودعمِنا لنبقى كما عاهدناه دومًا أن نكونَ نحنُ ملحُ الأرضِ.

مودّتي لكم

القس المربي رضوان شحادة

الناصرة

:””أَنْتُمْالأَرْضِ”القسالمربيخبر رئيسيرضوانشحادةمِلْحُ
Comments (0)
Add Comment