الشيف الراماوي المبدع وسيم سمعان لـ “الصنارة”: تربيت على أكل أمي وجدتي وعليه أضيف بصمتي الخاصة!

[This post contains advanced video player, click to open the original website]

ولد الشيف وسيم سمعان (24 عاما) وترعرع في قرية الرامة الجبلية الجليلية، المشهورة بأشجار الزيتون العريقة وزيتها الذهبي الرفيع، التي أخذت في السنوات الماضية تتألق في مجال الكوليناريا، ويفتتح فيها شبابها ألذ وألمع المطاعم المتناثرة بين أشجار الزيتون التاريخية.. 

يعيش الطهي بكل تفاصيله ويعشق المهنة لدرجة أنه درسها بشمولية وعمل سنة في دبي. 

يوضح وسيم بكل ذكاء وحكمة أنه يحب تقديم الطعام الموسمي و”بعد كل التعليم والتجارب، الأكل الذي يعنيني هو الأكل الذي ربيت عليه وهو أكل أمي وجدتي والأكل العربي”. فهو يقدم طعمات عربية لكن بتقنيات اوروبية فرنسية، وأحيانا لا يجرؤ على تغيير الوصفة التي تذكره بأشخاص معينين أو بطريقة جدته.

حاليا هو شيف مطعم “ديل مار” في حيفا، ويمكنكم متابعته عبر انستغرامه: waseem simaan

 

الصنارة: كيف توجهت الى مجال الطعام؟

وسيم: في جيل صغير جدا بدأت العمل في مجال المطاعم، حيث كنت أتمتع بطاقات كبيرة جدا ولافرّغها كنت في أوقات الفراغ والعطل أذهب الى مطعم يملكه عمي وأعمل هناك.. كنت أشعر أن هناك ما يجذبني للموضوع.. أحب مشاهدة رواد المطعم من شتى الخلفيات والأعمار، كلهم مجتمعون في نفس المكان يجلسون حول الموائد ويتناولون الطعام يدور بينهم حوارات.. وكنت أشاهد ردود افعالهم على وجوههم حتى بدون ان ينطقوا.. كل هذا جذبني..

استمريت في مجال المطاعم بوظائف بدائية الى أن انهيت مرحلة المدرسة، في جيل 17 بدأت أعمل في المطبخ تدريجيا.. كنت أساعد وأستفيد من الخبرة. بعد انهاء المدرسة سجلت مباشرة للتعليم في كلية الطهي “دانون”، تل ابيب.

الصنارة: كونديتوريا أم طعام؟

وسيم: بداية أنهيت لقب شيف بالطهي ومن بعدها باشرت بالكونديتوريا. مجالي هو الطعام أكثر والكونديتوريا هو جزء من الذي أعيشه في اليوم يوم، ويهمني كثيرا ان أعرفه.

في فترة الدراسة في حيفا بدلت الكثير من أماكن العمل لأنني كنت أجد نفسي مختلفا جدا عن المطبخ والناس التي تعمل فيه، فهو يتطلب نوعا من “العدوانية” وطيلة الوقت ضغط وتوتر وأنا كنت العكس تماما من ذلك. كنت رايق وأعمل بالهدى وأحب ان أعيش الأمور وأنا سعيد بها، بدون ضغوطات، لدرجة اني فكرت بعدم الاستمرار في ذلك المجال.. في نهاية فترة التعليم أعطيت نفسي فرصة أخيرة حين بدأت العمل في مطعم “ايتاليانو دي لا كوستا”، وهناك تقدمت بسرعة واكتسبت خبرة كبيرة. 

بعد ذلك شعرت اني مستعد لمرحلة جديدة وتواصلت مع الشيف زوزو حنا من الرامة وهو صديق للعائلة، ومنذ الصغر كنت أتطلع اليه وأتابع سيرته المهنية، وكان حلمي ان أشتغل معه. فسنحت لي الفرصة ان أنضم للعمل معه في مطعمه “ماچدلينا” وأصبحت شيف المطبخ والشيف التنفيذي، بعد مرور سنتين هناك في احد الأيام حضر زبائن اهتموا بشكل غير عادي بالوجبات وطلبوا التعرف على الشيف، فتعرفت عليهم واتضح أنهم مجموعة من دبي يملكون مطعما حاصلا على توصيات من “ميشلين چايد”، وطلبوا مني الانضمام اليهم بهدف رفع مستوى الطعام لوجبات شيف، فدرست الأمر وقررت الانتقال الى دبي والعمل معهم، وذلك قبل سنة تقريبا. 

بقيت هناك لمدة عام ولكن شعرت انني بحاجة للعودة الى البلاد، أكملت العمل لفترة ما كمستشار لديهم ودربت كل فريق العمل وبنيت لهم لائحة الطعام. هناك تعرفت على الكثير من الطهاة من كل أنحاء العالم واكتسبت خبرة. بعد عودتي أضفت خدمة استشارة للمطاعم واليوم أعمل كمستشار لمطعمين. 

بالتالي، وسعت من شمولية قدراتي، فانا أكثر من شيف، اذ أستطيع إدارة مطعم وتقديم استشارة، مع تخصصات اضافية مثل أصناف نبيذ وغيرها، وكله مع شهادات. فاليوم استطيع ان اسمح لنفسي ان اقدم خدمات شاملة للمطاعم.

 

الصنارة: أين تعمل اليوم؟

وسيم: في مطعم “ديل مار” في حيفا، مطعم جميل وصغير في شارع يافي نوف, فيه vibe اوروبي، المبنى قديم من حجر فيه جمالية خاصة. الطعام اسميه “محلي”، المواد التي أتعامل بها هي محلية، الطعمات محلية. كلمة “محلي” بمعنى الأكلات التي تعودت عليها انا في بيتي. الفكرة هي ان الطعمات عربية لكن التقنيات أوروبية فرنسية، فممكن ان تجدوا دمجا لمكونات غريبة وبتقنيات رفيعة جدا وطعام fine dining.

لا أستغني عن الأكل الذي ربيت عليه

لكن أضيف له بصمتي الخاصة

الصنارة: ما هو توقيعك بالطعام؟ هل أنت متأثر بأكلات والدتك أو جدتك أو أكل الرامة والزيت والزيتون التي تشتهر بهما؟ 

وسيم: طبعا وبوضوح. بالنهاية وبعد كل التعليم والتجارب، الأكل الذي يعنيني هو الأكل الذي ربيت عليه وهو أكل أمي وجدتي والأكل العربي. وكوني من قرية التي فيها مواد جدا رفيعة فأكيد انا أستخدم كل هذه الأكلات وأدخلها الى وجباتي، لكن بالمقابل أدمجه مع التعليم الذي حصلت عليه.

الصنارة: كيف تدمج كل هذه الأمور؟ ما هي الوجبات؟

وسيم: مثلا في دبي كل يوم أحد كنت أقدم كبة نية لأننا هكذا تعودنا في بيتنا. العرق الذي أستخدمه اليوم في المطعم هو من الرامة. أيضا الزيت الذي أشتغل به من منطقة الجليل، في موسم العكوب او البامية أدخلهما الى الوجبات، والسبانخ والعلت والملوخية. لكن مثلا تجدون ان العلت لديّ يقدم مع قريدس أو كلماري. انا لم أستغن عن الأكل الذي ربيت عليه لكن اضفت له بصمتي الخاصة.

أحيانا هناك أكلات لا أحب ان اغير فيها أبدا، هناك أكلات تذكرنا بأشخاص معينين او بطريقة جدتي وحينها لا اغير فيه أي شيء، لانه مهما حاولت فانا لن استطيع تنفيذه مثلما كانت جدتي تعده بالضبط رغم كل التعليم. بالتالي، طموحي ليس تغيير أكلات انما طموحي ان أعرف إعدادها تماما كما هي تعرف ان تعدها. ايضا أعددت كبة سمك ولكن عندما أسمع كلمة كبة نية أتذكر الصحن الذي كانت تعده جدتي.

الصنارة: أيضا المكونات والبهارات التي كانت تستخدم من قبل جداتنا تختلف، فهن كن يعددنها بأنفسهن..

وسيم: بخصوص البهارات، من الأمور الأساسية بالنسبة لي هي انني لا اشتري أي بهارات جاهزة، بل انا أعد كل ما يمكن ان أعده بنفسي للمطعم، من مكابيس الى تنشيف الأعشاب للنعنع اليابس والأكلات التي بحاجة لتخمير. من الامور القديمة التي كانوا يعدونها في البيوت الى الامور الجديدة. مثلا، رب البندورة انا اعده. بالمقابل انا اعمل طرقا جديدة مثل كبس سمك، اشتغل بمكونات اساسية جدا واخرج بالطعمة التي هي بقدر الامكان شبيهة، كما كانوا يشتغلون قديما وكما كانوا يتعاملون مع المكونات قديما. بالذات في دبي وجدت نقصا كبيرا بمواد كثيرة التي نحن نعدها أفضل بكثير، فكنت ملزما ان اعدها بنفسي من دبس الفلفل الى رب البندورة والعنب ومربى القرع، كنت أعدها للمطعم من الصفر. 

الصنارة: الرامة أصبحت مركزا كولانيريا مفتخرا، افتتحت مطاعم مختلفة يتردد إليها أناس من مختلف أنحاء البلاد، هل تخطط لافتتاح مطعم هناك أم أن طريقك مختلف؟

وسيم: أنا أتلقى دعما كبيرا من أهل الرامة منذ بداية مسيرتي، اذا رغبت بان يتعرف علي أناس أكثر فمفروض ان أعمل بمكان آخر وأبعد، لأن الرامة صغيرة وكلنا نعرف بعض وندعم بعضنا، وهم دعموني كثيرا فأنا ضامن أنهم سيكونون من رواد مطعمي لو افتتحته في الرامة، فهم أهلي ومعي. لذلك حاليا أنا أبحث عن أشياء أكبر وان أعرّف الناس عليّ حاليا. 

الصنارة: كم هي صعبة هذه المهنة؟ هل تنصح الشباب بها؟ بالذات انها تتأثر كثيرا بالأوضاع السياسية..

وسيم: هي مهنة صعبة كثيرا وفيها منافسة عالية وليست بروح رياضية. بعكس مهن كثيرة في هذه المهنة يحاولون ايذاء بعضهم.. بدون ان أكون دراماتيكيا هذه مهنة فيها مشاكل. والذي يريد أن يخوضها عليه ان يقدس العمل فقط وليس هناك وقت لأي شيء آخر، لا للعائلة ولا للشخص نفسه، فمن يريد أن ينجح عليه ان يخصص كل وقته للعمل. على الشخص ان يكون لديه الالتزام بان يكون متفرغا لشغله طيلة اليوم. كل ذلك اضافة للجهد والتعب والتوتر والحرّ وغيرها.. 

بالمقابل أنصح الشخص اذا كان جديا جدا وراغبا ان يقوم بالشيء كما يلزم، بمعنى ان يتعلم المهنة وان يمر بمراحلها تدريجيا وبدون تسرع وان يتمتع بحب لهذا المجال الذي بالنهاية يقدم للشخص اكتفاء شخصيا ويغذي الذات عندما يرى سرور الناس من وجباته فكم يكون الشعور يكون جميلا. اليوم في الأوضاع الأخيرة أصبح من الصعب على الشخص ان يضمن نفسه وعمله وحتى من الصعب ان يضمن التقدم. اليوم كثير من المطاعم تغلق أبوابها بلحظة وحتى الشيف الأكثر تقدما ممكن ان يجد نفسه بلحظة يبحث عن عمل جديد وعليه ان يبدأ من جديد! اذا كان الشخص مستعدا ان يغامر ويجتهد ويتعب فحينها نعم أنصح بهذا المجال، المهم ان يكون الشخص مدركا للأمر. 

وهناك فرق بين من يفتح مطعما لانه يحب المجال او لمجرد انه يريد مصدر دخل، واذا كان السبب هو الأخير فهناك اشياء ممكن ان تكون أنجح بكثير. لكن لو قررت افتتاح مطعم فسيكون فيه الأكل الذي هو يشبهنا ونعرفه ونعرف كيف نسرد قصته.. ونعرف كيف يجب ان تكون طعمته ونعرف أي أفضل الأوقات له بالسنة. 

شخصيا انا افضّل ان تكون لائحة طعام المطعم موسمية، تسير مع ماذا يعطيني البحر وماذا تعطيني الأرض واليوم انا اشتغل بهذه الطريقة. كل صباح أستيقظ باكرا اتصل مع السماك او الخضرجي واي مزوّد، واركّب الوجبة! الأمر يثير التحدي الحلو لي وللطاقم والزبون يشعر انه يستطيع ان يرتاد المطعم عدة مرات وفي كل مرة يجد شيئا جديدا مثيرا. وانا شخصيا لانني أحب المهنة فبنهاية اليوم أحب ان اتعامل مع مواد ذات جودة عالية جدا وطازجة، لذلك انا دائم البحث في السوق. 

الصنارة: من هو الشيف الذي تتابعه ويمنحك الالهام؟ محليا او عالميا..

وسيم: بالمبدأ يوجد، ذكرته وهو زوزو حنا، يمنحني الالهام ليس مجردا بقضية الاكل، انما ايضا شخصية الشيف وكيف يجب ان يكون التعامل مع الناس في هذا المجال، كيف يجب ان يكون التفكير والتوجه لدى الشيف او صاحب المطعم مع الناس من مختلف الأعمار والخلفيات. بالذات عندما يكون الشخص متوترا كيف يعرف ان يمتص غضبه ويعكس للعالم العكس. ان يعرف كيف يحب الناس حتى خلال الأوقات التي هو فيها نوعا ما ليس محبا لنفسه. او انه بضغط كبير.. 

بنهاية النهار ليس مفهوما ضمنا ان ياتي شخص ليتعشى عندي فهناك الكثير من المطاعم وهناك اكل البيت، فحينما يقرر شخص ان يخرج من بيته واختيار مطعم محدد، فله عليّ حق ان أرد له الجميل وان اكون ممتنا له لانه جاء عندي ليدعم ويجرب ويقيّم، وان أعطيه أفضل ما عندي!

 

 

أضيفأكلأميالخاصةالراماويالشيفالصنارةالمبدعبصمتيتربيتسمعانعلىلـِوجدتيوسيموعليه
Comments (0)
Add Comment