الدكتور هشام روحانا : أكثر مسببات حساسية الربيع.. نوّار الزيتون والسرو والغُبّيرْية

الأجواء الربيعية الدافئة وجمال الطبيعة بعشبها الأخضر وبداية الإزهار والتجدّد مُتعة لمعظم الناس ومدعاة للتفاؤل، ولكنها كابوس وموضع شؤم وقلق للذين يعانون من الحساسية الموسمية، “حساسية الربيع”.

حول ماهية الحساسية الموسمية والأعراض والعوامل المسببة لها والعلاج وطرق الوقاية أجرينا هذا اللقاء الخاص مع الدكتور هشام روحانا، أخصائي الأمراض الباطنية وجهاز المناعة والحساسية في “المركز الطبي زڤولون”.

 

| محمد عوّاد


 ليلك: مع بداية فصل الربيع هناك أشخاص تبدأ معاناتهم بسبب الحساسية. ما هي الحساسية الموسمية؟

د. روحانا: الحساسية الموسمية هي بالأساس الحساسية الربيعية وتبدأ بالظهور في معظم الأحيان في منتصف شهر شباط وتستمر ما دام لقاح الأزهار ونوّار الأشجار والنباتات قائماً، وتستمر عادة لغاية شهر أيار – حزيران، وقد تستمر لأكثر من ذلك، حسب النباتات وتركيز حبيبات اللقاح في الجو. 

 

 ليلك: ما هي الأعراض؟

د. روحانا: الأعراض تبدأ بحكّة بالأنف والرشح والعطاس وحكّة بالعينين والتدميع وحكة في سقف الحلق وأحياناً حكّة بالأذنين والسّعال وضيق النَفَس والتصفير بالرئتين وقد تظهر حكّة بالوجه. الأعراض بالأساس تظهر في جهاز التنفس العلوي أو في القصبة الهوائية.

 

 ليلك: ما الذي يحصل في الجسم من حبيبات اللقاح هذه؟

د. روحانا: هذه الأعراض تظهر نتيجة تحسّس جهاز المناعة من الزلال الموجود باللقاح. فحبيبات اللقاح تحتوي على أحماض نووية التي تجعل كل نبتة مختلفة عن الأخرى، وهي عبارة عن پروتين (زلال). وعندما يتم استنشاق هذا الزلال من قبل أشخاص لديهم قابلية لتطوير حساسية، تتطوّر في أجسامهم مضادات داخلية ضد هذا الپروتين. وعندما يتم استنشاق اللقاح التالي يحصل تفعيل لجهاز المناعة الذي يفرز مواد في خلايا محدّدة تسمّى الخلايا الحلمية. هذه المواد هي بالأساس هيستامين وهي المسؤولة والمسببة لهذه الأعراض، حيث يطوّر الهيستامين مقاومة لدى جهاز المناعة وهذه المقاومة ليست جيدة ولا تكون ضرورية وبالتالي تضر بالجسم نفسه.

 

 ليلك: هل أعراض حساسية الربيع تشبه أعراض الحساسية للحيوانات أو حساسية الجلد أو حساسية الطعام أو الحساسية للغبار؟

د. روحانا: أعراض الحساسية التنفسية قد تكون لها علاقة بالربيع بسبب حبيبات اللقاح وقد تكون لها علاقة بالغبار أيضاً، خاصة غبار البيت وبالتحديد لعثّة غبار البيت، وعندها تكون الحساسية لكل السنة. أما الحساسية للحيوانات مثل القطط والخيل وغيرها فتكون طالما يكون تعرّض لهده الحيوانات.

الحساسية للغبار وبالتحديد لغبار البيت تشتد أكثر في الخريف والشتاء خاصة عندما يتم إخراج الملابس الشتوية من الخزائن، فمن له حساسية للغبار تكون طيلة السنة وتشتد أكثر وأكثر في الربيع بسبب وجود حساسيات إضافية هي حساسيات ربيعية.

 

 ليلك: لقاح أي أزهار يسبّب حساسية أكثر من غيرها؟

د. روحانا: المسببات لحساسية الربيع التي نصادفها كثيراً هي عادة نوار (أزهار) الزيتون والسرو والعشب الأخضر (النجيل) والأعشاب البرّية، وهناك نبتة ضارة جداً وتسبّب حساسية لفترة طويلة هي نبتة الغُبّيرية، حيث تبدأ بالإزهار منذ بداية شهر شباط لغاية شهر حزيران، وتعود مرّة أخرى وتُزهر في شهر آب. لذلك أنصح الذين لديهم حساسية للغبيرية بأن يرشّوا مبيدات للأعشاب حول بيوتهم فهي تنبت في الحواكير وفي المناطق المهملة وعلى السناسل وجوانب الطرق، لأن التعرض لها قد يكون خطيراً. فقد كانت عندي مريضة تعاني من أزمة (ربو) قوية جداً نتيجة لتعرضها لهذه النبتة عندما قامت بعملية تعشيب لها، لذلك يجب إزالتها من محيط البيوت.

 

 ليلك: هل هناك علاقة للعامل الوراثي بالحساسية الموسمية؟

د. روحانا: العامل الوراثي مهم في موضوع الحساسية، فعادة لدى فحص الأشخاص الذين لديهم حساسية يتبيّن أنّ أحد الوالدين أو الأجداد كان يعاني من الحساسية. الحساسية تتطور نتيجة عامل وراثي موجود، واذا كان أحد الوالدين مع حساسية يكون احتمال إصابة الأبناء 25% واذا كان كلا الوالدين مع حساسية فإن الاحتمال يتضاعف أو اكثر من مضاعف. من هنا فالحساسية تتناقل وراثياً وتتناقل أيضاً أو تزداد نتيجة عوامل بيئية.

 

 ليلك: أيّ عوامل بيئية على سبيل المثال؟

د. روحانا: عوامل بيئية مثل التعرّض للڤيروس وتلوّث الجو والانتقال من محل سكن الى محل سكن آخر، وفي حالات التوتّر (Stress).

 

 ليلك: هل من أصيب بڤيروس كورونا معرض لتطوير حساسية؟

د. روحانا: لغاية الآن لا توجد أبحاث نهائية في الموضوع ولكن من الملاحظة الشخصية في عيادتي رأيت أن الأشخاص الذين كان لديهم حساسية في السابق، على شكل حساسية راقدة وغير ظاهرة، زادت الحساسية لديهم بعد أن أصيبوا بالكورونا، وحيث أن ڤيروس كورونا يسبب مرضاً يهز جهاز المناعة ويوتّره، تظهر أعراض حساسية لم تكن ظاهرة قبل ذلك لا سيما أن ڤيروس كورونا يضرّ بالجهاز التنفسي هو الآخر. 

 

 ليلك: كيف يمكن التمييز بين أعراض الحساسية وأعراض مرض ڤيروسي؟

د. روحانا: عادة، أعراض الحساسية التي ذكرناها مثل السعال والرشح والعطاس والتدميع والحكة المتواصلة والسعال المتواصل، قد تظهر أيضاُ في أمراض ڤيروسية، ولكن أعراض الحساسية لا يصاحبها ألم في العضلات والمفاصل ولا حرارة مرتفعة كما هو الأمر في الأمراض الڤيروسية.

 

 ليلك: هل هناك فحص يكشف نوع أزهار النباتات التي تسبب الحساسية؟

د. روحانا: طبعاً. يمكن التوجه لعيادة أخصائي حساسية وهناك يتم إجراء فحص على الجلد (Test) عن طريق المواد المسبّبة للحساسية بحيث يتم وضع قطرة على الجلد وعن طريق الوخز الخفيف بالإبرة يتم معرفة العناصر المؤدية للحساسية. وفي حوالي 90% من الحالات يتم معرفة ما هي المادة المسببة للحساسية لدى هذا الشخص. كذلك هناك فحوصات دم يمكننا اللجوء إليها تكمّل الصورة.

 

 ليلك: ما هو العلاج للحساسية الموسمية؟

د. روحانا: العلاج يتوقف حسب الحالة، وعادة يتم بواسطة بخّاخات للأنف. وهناك بخاخات إضافية تُستعمل للرئتين، حسب الحالة فقد يكون الشخص يعاني من الأزمة (الربو) أو الرشح، أو الرشح مع أزمة، هذه البخّاخات تحتوي على كميات مختلفة من الستيروئيدات، وفي الحالات الخفيفة والمتوسطة للحساسية لا يتم امتصاصها للجسم وتأثيرها يكون موضعياً فقط. في حالات الأزمة الصعبة كمية الستيروئيدات قد تتجاوز الحد الذي لا يتم امتصاصه للجسم وعندها يتم امتصاص كميات صغيرة من الستيروئيدات. وهناك العلاج بأقراص مضادات الهيستامين.

 

 ليلك: هناك من يتخوّف من استخدام الستيروئيدات؟

د. روحانا: الخوف من الستيروئيدات في معظم الحالات غير مبرّر لأن كمية الستيروئد التي يمتصها الجسم جانبية وخفيفة جداً ولا تعرّض الجسم الى تأثيرات ومضاعفات إضافية كما في حالة إعطاء الستيروئيد عن طريق الفم أو الوريد أو عن طريق العضل، حيث تسبّب مشاكل في العظم وارتفاع ضغط الدم والسكر وتضعف جهاز المناعة.

 

 ليلك: هل هناك تطعيم ضد الحساسية؟ أو هل هناك إمكانية لعلاج يقضي على الحساسية كليّاً؟

د. روحانا: العلاج عن طريق الأقراص أو البخاخات لا يقضي على الحساسية، التي لها جانب بيئي وجانب وراثي. الجانب الوراثي لا يمكن تغييره نهائياً بل بإمكاننا تعديله عن طريق التطعيم. والتطعيم يتم بعملية طويلة ومتواصلة تستمر عادة بين 3 سنوات و 5 سنوات. حيث نختار السبب المؤدي للحساسية: نوار الزيتون أو نوار السرو أو أي نوع آخر، نعطيه بكميات صغيرة في البداية ونرتفع تدريجيا بالجرعات الى أن نصل الى الجرعة التي نعتقد أنها لا تشكل خطراً على المريض ومن جهة أخرى تمنع الحساسية. 

هناك بروتوكول معين نتّبعه، وهو بروتوكول عام لكل الأشخاص ونعدّله حسب استجابة المريض الى أن نصل الى جرعة محدّدة نعطيه اياه كل شهر لمدة 3 – 5 سنوات وفي معظم الحالات وبعد أن نوقف التطعيم يستمر جهاز المناعة بعدم التجاوب مع المحسّسات الخارجية. ولكن، أحياناً قد تعود الحساسية وتظهر ثانية بعد 10 أو 15 أو 20 سنة.

 

 ليلك: نصيحة عامة لكل الذين يترقبون بقلق حلول الربيع وبداية الإزهار وتناثر حبيبات اللقاح في الجو؟

د. روحانا: الذين يعانون من حساسية يومية بالربيع يفضّل أن يبدأوا بعلاج موضعي قبل قدوم الربيع بأسبوعين. أي أن يبدأوا في بداية شهر شباط، بحيث يمكنهم استخدام المرش (البخّاخة) وأن يداوموا على استخدامه حتى نهاية الربيع لأن المرش هو أكثر العلاجات نجاعة وأقل أعراضاً جانبية. عليهم الاّ يتوقعوا أن الربيع هذا العام سيمر بدون أعراض لأن القابلية للاستجابة للمحسّسات موجودة عندهم وقد اختبروا أنفسهم عدة سنوات. لذلك عليهم البدء بالعلاج والمداومة عليه. 

كذلك يمكن إضافة أقراص مضادات الهيستامين الواقية، وهذه لا توجد لها أعراض جانبية تقريباً على جهاز الأعصاب ولا تسبّب النعاس ولا النوم. لذلك يمكن اللجوء إليها حسب الحاجة ومفضل أن يبدأوا بها قبل حلول الربيع بأسبوع أو أسبوعين.

 

أكثرالدكتورالربيع..الزيتونحساسيةروحانامسبباتنوّارهشاموالسرووالغُبّيرْية
Comments (0)
Add Comment