زياد شليوط
شهد مطلع الشهر الجاري ارتفاعا بأسعار الوقود في البلاد، إثر ارتفاع أسعار النفط والوقود في الأسواق العالمية. وبات البنزين أكثر تكلفة بدءا من هذا الاسبوع بـ21 أغورة ليصل إلى سعر 7.72 شيكل للتر الواحد. والسبب الرئيسي لهذا الارتفاع يعود إلى ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 6.5% في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. كما شهد ارتفاعا في أسعار الكهرباء والمواد الغذائية مثل منتجات الحليب وغيرها. في المقابل أعلنت الحكومة عن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الصناعي.
وعلى صعيد آخر حذّر بنك إسرائيل في التقرير السنوي الذي نشره يوم الاحد الماضي، من التحديات التي تواجه الاقتصاد الإسرائيلي خاصة بعد الحرب. وأضاف أن العبء الأمني الثقيل المتوقع فرضه على الجمهور بسبب الحرب سيتطلب موارد عامة كبيرة، كما أن زيادة المخاطر الجيوسياسية لإسرائيل تزيد من تكاليف التمويل. في ضوء ذلك ، يجب على الحكومة التأكد من أن الميزانيات في السنوات القادمة ستكون موجهة إلى أهم الاحتياجات التي تواجه الاقتصاد. علاوة على ذلك، من المهم خفض الميزانيات التي قد تضر بالحوافز لدمج السكان الجدد في سوق العمل والأهداف الأخرى طويلة الأجل.
للوقوف على تلك القضايا وما سيتمخض عنها التقت “الصنارة” جهاد بلعوم، مدقق حسابات ومحاضر في العلوم الاقتصادية في عدة كليات وهو من مدينة الطيبة.
الصنارة: ارتفعت أسعار الوقود في اسرائيل، في مطلع الشهر الحالي، وسجلت زيادة قدرها 21 أغورة على سعر لتر الوقود، ليصبح 7.72 شيكل لكل لتر بنزين 95 أوكتان. كما ارتفعت تكاليف الكهرباء، مما أدى إلى ارتفاع أسعاره. ما هي أسباب موجات الغلاء وإلى أين ستفضي؟
بلعوم: هذا الغلاء واحد من سلسلة اجراءات تقوم بها الدولة خصوصا أن عوامل أساسية أدت إلى ذلك بدءا بالكورونا مرورا بالحرب في أوكرانيا والصراع الداخلي على الجهاز القضائي واليوم الحرب في غزة، هذه العوامل وغيرها تؤدي إلى موجة غلاء وارتفاع في الأسعار تصل بنا إلى قمة جبل الجليد، وهذه لن تكون النهاية انما ستعقبها ضربات أخرى، وستكون الحالة أكثر ألما بعد انتهاء الحرب أو في حال استمرارها لأن الأمور ستخرج عن السيطرة عندها.
نحن الآن موجودون في مرحلة تعرف في عالم الاقتصاد باسم “الضبابية”، وتدل على أن الأسواق تمر في حالة من الضبابية والمتغيرات أي عدم الوضوح وهي من العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع في الأسعار وتقدم مؤشرا واضحا على المستقبل الاقتصادي الغامض على المدى المنظور.
واذا نظرنا عينيا إلى ارتفاع في أسعار الوقود، فان الأسباب عديدة وأهمها ما يجري في الأسواق العالمية ومدى التأثير المباشر للدول صاحبة مصادر الطاقة على ما يحدث في الميدان. حالة الحرب والصراعات العسكرية في أكثر من مكان من العالم تؤدي إلى صعوبات في نقل المواد عبر الممرات المائية مثل مضائق تيران وغيرها، واذا مرت فان الدول تدفع رسوما باهظة، اضافة الى تأثير الدول العظمى مثل أمريكا على مجريات الأحداث تؤدي إلى رفع الأسعار.
الصنارة: هذا من ناحية العلاقات بين الدول الكبيرة، كيف يحصل ويتأثر مجتمعنا العربي الصغير من تلك العوامل التي جئت على ذكرها، وهو موجود في دولة تعتبر قوية اقتصاديا؟
بلعوم: من المعروف بأن مجتمعنا صغير وفقير ولا حيلة مادية له، نحن مجتمع نستقبل ونستهلك ولا ننتج، وحالنا قريب من حال الأسواق العالمية المستهلكة، أضف إلى ذلك الحرب في غزة والتي مضى عليها نصف عام تضاعف من حجم المعاناة الاقتصادية، خاصة أن نهايتها لا تبدو قريبة، فاذا استمرت هذه الحرب أو فتحت جبهة جديدة في الشمال مع لبنان، مع استمرار الحكومة في نهجها الحالي سيدخلنا في ضبابية كبيرة ستؤثر على أسعار المنتوجات في المستقبل.
تعمل الدول على تكديس المنتوجات مما يؤدي الى ارتفاع أسعارها، وعندما يقل عرض المنتوج يرتفع سعره بموجب نظرية العرض والطلب.
وبما أن مجتمعنا يعاني من شحّ الواردات في البضاعة، نتيجة الحصار الذي تواجهه اسرائيل والذي سيؤدي في النهاية إلى انهيار اقتصادي. لكن ما يحافظ على اسرائيل قوية اقتصاديا حتى اليوم هو الدعم الغربي والعربي الذي تلقاه، لكن هذا الدعم سيأتي يوم ويتوقف، وبالتالي ستعقبه موجة غلاء جديدة وكبيرة. وعندها ستلجأ الدولة إلى فرض ضرائب جديدة ورسوم مختلفة على المواطنين، رغم ما تقدمه لهم من تسهيلات ودعم في هذه الأيام.
الصنارة: كيف يتفق ما تقوله مع رفع الحد الأدنى للأجور ابتداء من الشهر الحالي ليصل الى 5,880 شيكل للشهر الواحد في المجالات الصناعية أعلى من المعدل العام للأجور في سائر المرافق الاقتصادية؟
بلعوم: إن ما أقدمت عليه الحكومة من رفع الحد الأدنى للأجور ليس كرما منها، بل هي مضطرة إلى دعم الشعب ولو بشكل ظاهري وبسيط، خاصة وأن رفع الأسعار لا يتناسب مع رفع الحد الأدنى للأجور الذي يشكل نقطة في بحر الغلاء، وهذا الارتفاع لا يسد الرمق، ولا يسد الفجوة الشاسعة بين الأمرين، ولا يدل بالتالي على توفر امكانيات كبيرة للحكومة المضطرة للقيام بهذه الخطوة.
الصنارة: شدد بنك إسرائيل في تقرير حديث له على الحاجة الملحة للمساواة في العبء الأمني، من خلال تجنيد الحريديم في الجيش، من أجل تخفيف العبء على بقية الجمهور وتقليل الضرر الشديد الذي يلحق بالاقتصاد نتيجة تمديد الخدمة النظامية والاحتياطية!
بلعوم: لقد تم تجنيد قوى عاملة ومؤثرة اقتصاديا وانخراطها في المجهود الحربي، وانضم اليها جنود الاحتياط العاملين في حقول مختلفة لفترات طويلة نظرا للنقص في عدد الجنود، ولأن اليسار الليبرالي المجند في الحرب يشكل القوة الاقتصادية للدولة وخاصة في مجال الهايتك، فان الضرر بات كبيرا، ولأن اسرائيل لا يمكنها فتح جبهة ثانية أو الاستمرار في الحرب الحالية الى ما لا نهاية، جاءت المطالبة بتجنيد طلاب المدارس الدينية (الحريديم)، وذلك في محاولة لاعادة الاستقرار الاقتصادي للبلاد على ضوء ما يعانيه هذا الاقتصاد وخاصة في تراجع المستثمرين العالميين عن الاستثمار في اسرائيل على ضوء من تشهده من ضبابية اقتصادية وعدم استقرار، حيث قامت أعداد كبيرة من المتمكنين الاقتصاديين بمغادرة البلاد لأنهم لا يرغبون في الخسارة الاقتصادية وقاموا باستثمار أموالهم في دول أوروبية وخاصة قبرص وشراء البيوت والعقارات فيها لأنهم يملكون امكانية التطور فيها.
ربما لا يشعر عامة الناس بهذه الأخطار في الوقت الحالي، لكن في النهاية سيحدث الانفجار في وجوهنا، واذا ما عدنا الى التاريخ سنتعلم بأن الانهيار الاقتصادي يأتي بعد مرحلة الضبابية وهذا ما حدث في دول أوروبية، حين أقدم الناس على سحب مدخراتهم وأموالهم من البنوك، في الوقت الذي لا تستطيع فيه البنوك إعادة الأموال إلى أصحابها بالسرعة المطلوبة، وبالتالي أعلنت الدول عن افلاسها، ونحن اليوم نقف على حافة الانهيار الاقتصادي والافلاس في الدولة، لكن ما يؤخر ذلك هو ما يقوم به المروجون للسلطة، خاصة في وسائل الاعلام، بالتستر على المعلومات واخفائها عن الجمهور كما يحدث اليوم في مصر.
الصنارة: نفهم من هذا أن العرب هم الفئة الوحيدة اليوم – تقريبا- التي تعمل اقتصاديا فهل يتمتعون بوزن اقتصادي فعلا على مستوى الدولة؟
بلعوم: للعرب وزن ليس في المجال الاقتصادي وخاصة في الهايتك، بل ربما في مجال الأعمال الصعبة مثل البناء، وهذا ما نشعر به على ضوء غياب العمال الفلسطينيين من الضفة عن هذا الفرع وقام العرب بتغطية جزء كبير منه، لكن يمكن لك أن تتصور ماذا سيحصل لفرع البناء وأي انهيار سيشهد لو أن العمال العرب امتنعوا عن التوجه للعمل فيه.
من ناحية أخرى حصلت انهيارات كثيرة في العديد من المصالح العربية، رغم أن الدولة تدرّ أموالا طائلة لتلك المصالح منذ أشهر، ليس بهدف دعم الاقتصاد العربي انما لإنقاذ الاقتصاد عامة على مستوى الدولة والعرب هم جزء صغير من هذا الاقتصاد. لكن هذا الدعم سيتوقف أيضا خاصة وأن الدول الداعمة لاسرائيل بدأت تتململ وتعبر عن انزعاجها وعدم مقدرتها في مواصلة تقديم الدعم.
الصنارة: لكن نشهد حالة انفاق عادية في المجتمع العربي كما نشهد منظر السيارات الجديدة في شوارع بلداتنا، اضافة الى ما يقال عن موسم الأعراس بعد الأعياد والحافل بالحجوزات والاستعداد للحفلات كما كان في السابق!
بلعوم: الفضل في وجود سيارات جديدة هو للبنوك وللتمويل المباشر. لكن أحذر أبناء مجتمعنا بأننا أمام مرحلة صعبة جدا جدا لذا عليهم التخفيف من الانفاق. مجتمعنا فاقد للبوصلة الاقتصادية، ليس له من يوجهه، مجتمع يفتقر للهيئات الاقتصادية المحلية لارشاد وتوجيه الجمهور للحفاظ على امكانياته الاقتصادية وعدم انهياره خاصة وأن مجتمعنا ضعيف.
نحن بتنا مكبلين بالنفقات الكثيرة التي تتم دون تخطيط أو دراسة صحيحة، لأننا مجتمع مستهلك وأقساط السيارات تجعلنا نفكر كيف نسدد تلك الأقساط ولا نلتفت إلى أمور أخرى. وفي فترات الخوف يزداد تناول الطعام وهو ما يعرف بـ”الطعام العاطفي”، وهو ما يعاني منه مجتمعنا.