الإطار الذي يحتفظ بالبلاستيك لنفسه

يمنح ابتكار أمريكي جديد، إمكانية إنتاج إطارات السيارات من مادة أكثر مقاومةً للتمزّق، والتي تنثر كميات أقل من البلاستيك المجهري للبيئة أثناء القيادة. هل من المحتمل أن يشهد عالم الإطارات انعطافه 180 درجة؟

بقلم: إيتاي درور، زاڨيت

عندما تحتكّ إطارات سيارتنا بشكل متكرر بالأسفلت، يتآكل مطّاطها المتين ببطء، ويتحلل مثل فتات الخبز المتساقط من شطيرة. هذا يزعجنا بالأساس لحظة الحاجة الى استبدال إطار آخر باهظ الثمن، ولكن، حتى لو كانت عجلتنا لا تزال مناسبة للقيادة، فإن المطاط الموجود فيه سيصل باستمرار إلى بيئتنا. حاليًا، يتم إنتاج حوالي 2 مليار إطار في العالم سنويًا، (والخير لقدّام)، والتي تنبعث منها ما يقدّر بنحو 6 ملايين طن من الميكروبلاستيك (جزيئات بلاستيكية مجهرية ضارة تصل حتى إلى طعامنا ومياه الشرب)، في كل عام.

إن رغبة الناس بالسيارات الأكبر حجمًا في العقود الأخيرة، والذي يتجلى في التحول من السيارات الصغيرة، وسيارات السيدان (“العائلية”)، إلى سيارات الدفع الرباعي، يزيد من تآكل الإطارات في العالم، وبالتالي من الميكربلاستيك المتناثر من الإطارات، حيث أن المركبات الأكبر والأثقل، تستهلك الإطارات أكثر. في السيارات الكهربائية ، التي لا تنبعث منها غازات أثناء القيادة، تبقى المواد البلاستيكية الدقيقة المتناثرة من الإطارات، هي المصدر الرئيسي للانبعاثات الملوّثة أثناء القيادة.

يمكن أن يكون الإبتكار الأمريكي الجديد خبرًا سارًا، حيث يقلّل من كمية الميكروبلاستيك التي تسببها الإطارات، من خلال جعل المواد المصنوعة منها أكثر مرونة.

إضعاف مقصود بهدف زيادة الحصانة
يشرح لنا نيتسان مزراحي، طالب الدكتوراه بموضوع هندسة المواد، في جامعة بن غوريون: “يتكون الإطار من سلاسل بوليمر، (مواد مصنوعة من جزيئات عملاقة، مكوّنة من وحدات متكرّرة مترابطة)، من الكربون والهيدروجين، والتي تتصل ببعضها البعض، (يسمى الرابط بين تلك السلاسل المختلفة بالرابط الصليبي)، عندما تكون الروابط الصليبية بين السلاسل قوية، فإن آلية فشل المادة، (الطريقة التي يتجلى بها الضرر في المنتج)، هي كسر السلاسل نفسها، ما ينتج عنه الميكروبلاستيك، الذي يبقى على الأسفلت ويتناثر في الهواء”.

ابتكار الباحثين هو في الأساس كيميائي، ويستند إلى فكرة مألوفة، وهي زيادة مرونة المادة على حساب قوّتها. فكلما كانت المادة أكثر صلابة، كلما كانت أكثر عرضة للكسر والتمزق والتّفكّك، وتكون عُرضةً لآلية فشل دراماتيكية. تخيلوا، على سبيل المثال، شجرة ذات أغصان قصيرة وقاسية تكسرها الرياح، على عكس شجرة ذات أغصان طويلة ومرنة، تنحني في شدّة الريح ذاتها، ولا تنكسر.

زاد الباحثون من مرونة المادة، مما يمنع سلاسل البوليمر التي تتكون منها من التمزق، وتحقيقًا لهذه الغاية، يعتمد الإبتكار الجديد، على إضعاف الروابط الصليبية في سلاسل البوليمر، التي تشكّل المادة. يقول مزراحي: “وهكذا، عندما تدخل آليّة الفشل حيّز التنفيذ، فإنها تمزق الروابط الصليبية بين سلاسل البوليمر، قبل أن تتمزّق السلاسل، وتُلوّث البيئة”.
في الواقع، بدلًا من تمزيق السلسلة نفسها، تنفصل السلاسل المختلفة عن بعضها البعض، وبهذه الطريقة، تنزلق السلاسل وتتراكم فوق بعضها البعض، ولا تتساقط من المادة، (ولا تتناثر الى الجو في حالة الإطارات).

من الإطارات إلى طبق الطعام
تآكل الإطارات طوال فترة استخدامها، مسؤول عمّا يصل إلى %28 من الوزن الكلّي لجزيئات الميكروبلاستيك في البحر. مصدر جزيئات البلاستيك الدقيقة، هو من العديد من المنتجات البلاستيكية، التي تتآكل وتتحلّل بفعل مرور الوقت، وتحت تأثير الشمس والماء، وكذلك الأجزاء البلاستيكية التي يتم تصنيعها بأحجام مجهرية، بشكل متعمّد، لاستخدامات مختلفة، (مثل الكريات البلاستيكية، المضافة إلى مستحضرات التجميل).

لسوء الحظ، يمكن الآن العثور على الميكروبلاستيك في كل مكان تقريبا على الكرة الأرضيّة، من أعالي قمة إيفرست، حتى الخسة في محل الخضار. فالرياح تحملها، والأمطار تجرفها، حتى تصل إلى المياه الجوفية، والجداول، والبحار، والمحيطات.

تسبّب هذه الجسيمات أضرارًا بعيدة المدى للحيوانات البحرية، التي قد تأكلها بسبب تشابهها مع طعامها الطبيعي، مما قد يمنع امتصاص العناصر الغذائية في أجسامها، وتلف جهازها الهضمي. يمكن أن تضرّ جزيئات الميكروبلاستيك، بالحيوانات أيضًا بسبب المواد الضارّة الموجودة في البلاستيك، (مثل ثنائي الفينول أ، والفثالات)، وبسبب الملوّثات العضوية بعيدة المدى المرتبطة بها. وهكذا، فإننا نحكم على أسماك فرس البحر، والقاروس، والدنيس، والراي اللاسع (قطة البحر)، والدولفين، والقرش والحوت، والعديد من الأنواع الأخرى من الأسماك والمخلوقات البحرية، بابتلاع تلك الجزيئات. علاوةً على ذلك، يمكن أن تصل جزيئات البلاستيك، إلى العديد من الحيوانات الأخرى، من خلال السلسلة الغذائية، والى طعامنا أيضًا، عندما تصل الأسماك والكائنات البحرية، إلى موائدنا.
تكشف مشاهدات من السنوات الأخيرة، عن وجود جزيئات ميكروبلاستيك أيضًا في زجاجات المياه لدينا، وفي مشيمات الأجنّة، وفي حليب الأمهات، وفي كل مكان تقريبًا.
بالإضافة إلى ذلك، تتوفّر أدلّة على أضرار يمكن أن تسبّبها تلك الجزيئات، في آلية عمل الخلايا البشرية.

بالمناسبة، لا يقتصر الضرر البيئي للإطارات على الميكروبلاستيك، حيث تستهلك صناعة الإطارات حوالي %70 من المطّاط الطبيعي المنتج في العالم، مع العلم، أنه من أجل زراعة شجر المطاط، يقوم المزارعون في دول مثل تايلاند، وإندونيسيا، وفيتنام، وماليزيا، بإنشاء غابات، تساعد على التخفيف من أزمة المناخ، والحفاظ على التنوّع البيولوجي المتضائل في العالم. وبالإضافة إلى المطاط، تحتوي تركيبة الإطارات الآن، على حوالي %12 من المعدن، والتي يمكن أن تلوّث البيئة عند دفنها في الأرض.

نقطة ضعف الإطار الضعيف
هل التصميم الكيميائي الجديد للروابط الصليبية في المادة، التي طوّرها الباحثون، له فقط حسنات؟ حسنًا، أحد العيوب الكبيرة للإطار، الذي سيتم تصنيعه من هذه المواد، هو هيكله الضعيف، والذي يكون الغرض منه زيادة مرونة الإطار. ويشرح مزراحي: “لا يمكنك زيادة قوة المادة دون المساس بمرونتها، ويبقى السؤال دائمًا، ما الذي يأتي على حساب ماذا. الثمن هنا، هو أن مثل هذا الإطار الجديد، سيكون أقل قوّة بمرور الوقت، وسيحتاج إلى استبداله بوتيرة أكبر، للحفاظ على فوائد تقليل الميكروبلاستيك”.
بمعنى أنه، من ناحية، ستنخفض كمية الميكروبلاستيك في العالم، إذا تم اعتماد الابتكار الجديد، ولكن من ناحية أخرى، يجب إنتاج عدد أكبر من الإطارات.

تجدر الإشارة، إلى أنه يمكن حاليًا إعادة تدوير الإطارات القديمة، كالذي يمكن رؤيته في الحدائق ومناطق لعب الأطفال، التي تتكوّن أرضيّتها اللينة، عمليًا، من إطارات معاد تدويرها، رغم كون عمليّة إعادة التدوير بعيدة عن أن تكون مثالية، لكن من ناحية أخرى، غدت جزيئات البلاستيك الدقيقة، عدواً من الصعب النيل منه.

يقول مزراحي: “ليس لدينا حتى الآن معلومات حول العمر الافتراضي لمثل هذا الإطار، الذي لم يتم تصنيعه بعد”. ويلخّص قائلًا: “السؤال، ما إذا كان استبدال الإطار كل شهرين أمرًا منطقيًا، ويقلّل حقًا من التلوث… ولكن إذا صمدت الروابط الصليبية الضعيفة، في مثل هذا الإطار، لمدة عام أو عامين، على سبيل المثال، فسيكون ذلك نجاحًا باهرًا. الأيام سوف تخبرنا بذلك».

أعدّت المقال “زاڨيت” – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة

الإطارالذيبالبلاستيكلنفسهيحتفظ
Comments (0)
Add Comment