دمشق مدينة تلتقي فيها الحضارات بعيون فتاتِها آية الماغوط

المصدر : سيدتي
0 7٬987

في غربي آسيا، وربما تحديداً إلى 6300 عام قبل الميلاد، شهد العالم نشأة أقدم مدينة مأهولة، ليس بالبشر فقط، بل بالتاريخ والعراقة والمكانة المرموقة في مجالات العلم والثقافة والسياسة والفنون والأدب، كانت ملتقى لحضارات عدة عبر التاريخ، أشهرها حين كانت عاصمة للدولة الأموية. تبدو بيوتها وأزقتها القديمة وكأنها بُنيت بحجارةٍ تمتلئ بأرواح كلّ من سكنها أو مرّ بها، هذا ما يشعر به كل من سار في شوارعها العتيقة يوماً! سُميت الفيحاء، وجِلَّق، ودرة الشرق، إنها العاصمة السوريّة دمشق، التي لم نكن لنفوّت حلول مناسبة يوم المدن العالمي في شهر أكتوبر من دون أن نتجول في شوارعها وأجمل معالمها، نحتفي في الوقت ذاته باليوم الدولي للطفلة، بصحبة فتاة رقيقة، وموهوبة، ورياضية، وموسيقية، حققت الكثير على الرغم من سنها الصغير، إنها آية الماغوط، نرافقها في رحلة قصيرة وغنيّة في شوارع «الشام» وقصر العظم التاريخي الذي شيّد عام 1749، بطابع يعكس جمال العمارة الإسلامية والبيوت الدمشقية القديمة. فلنتعرف إلى آية التي تمثل بريق أمل أبناء جيلها لمستقبل كله إشراق!

حوار وتنسيق | رنا الطوسي Rana Altousi
تصوير | عمر صناديقي Omar Sanadiki
تم التصوير في قصر العظم وأحياء دمشق القديمة

 

آية الماغوط

من هي آية؟

أنا آية الماغوط، عائلتي تهتم بالفن والأدب، وهي مكونة من أب وأم وأنا، طالبة في مدرسة ثانوية في مدينة طرطوس الساحلية، كما أنني طالبة في السنة الخامسة في المعهد العربي للموسيقى. هواياتي الجمباز الإيقاعي الذي بدأته في سن مبكرة، وعزف البيانو، والغناء الجماعي بوصفي عضواً في كورال أرجوان، إلى جانب حب الاستكشاف والتأمل في الطبيعة بوصفي عضواً في فريق «سلام يا طبيعة».

كيف تكون الطفولة في مدينة ساحلية بطبيعة خلابة؟

الحياة في مدينتي بين البحر والجبل، وبوصفي فرداً في مجتمع بسيط ومحب علمتني أهمية الجمال، وألهمتني كثيراً خلال مراحل طفولتي، وأغنت رحلتي مع الموسيقى والجمباز، كما أعطتني الأمل والحرية اللازمة للإبداع والاستمرار.

ʼ علمتني دمشق أهمية الجمال، وألهمتني كثيراً خلال مراحل طفولتي، كما أغنت رحلتي مع الموسيقى والجمبازʻ

رياضة تتناغم مع الشخصية

برأيك، لماذا أحبت عائلتك أن تتجهي إلى رياضة الجمباز الإيقاعي؟

بدأت رياضة الجمباز الإيقاعي في عمر ثلاث سنوات، وقد اختارت لي عائلتي هذه الرياضة كونها تتناغم مع شخصيتي بما أنني طفلة مرحة، ولكون الرياضة بشكل عام ضرورية لبناء شخصية الفتاة، وهذه الرياضة بشكل خاص تساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية والصحة العقلية والنفسية، وتمتزج مع الموسيقى لتخلق سلاماً روحياً، وهذا ما تسعى إليه عائلتي دوماً في كل مراحل حياتي.

خلال تدريبات الجمباز الإيقاعي تخضعين لتمارين راقصات الباليه.. لِم تلفتك هذه الرياضة؟ وما الذي جعلك تتعلقين بالجمباز الإيقاعي؟

ما زلت حتى اليوم أتلقى دروس رقص الباليه من وقت إلى آخر لاكتساب مهارات إضافية، لكن بالنسبة إليّ الجمباز الإيقاعي هو الرياضة التي أحترفها أكثر، وتساعدني على التعبير أكثر، إلى جانب كونها رياضة تركز على الجهد العضلي والقفزات الهوائية «الأكروبات»، وتقوية كامل عضلات الجسم. تعلقت بهذه الرياضة لأنها أخذتني إلى طريق المنافسة والإصرار لتحقيق المزيد، وكانت بوابة لي للمشاركة واللقاء مع الكثير من الرياضيات في مختلف المدن السورية.

اليوم وأنت في عمر الستة عشر عاماً.. كيف ترين تأثير هذه الرياضة فيك بصفتك طفلة ومراهقة؟

بصفتي طفلة ساعدتني هذه الرياضة على التعلم والاندماج مع الآخرين بشكل مبكر، أما بصفتي مراهقة، فقد ساعدتني على تعزيز ثقتي بنفسي، وتنظيم الوقت، وحب الذات، وتقبل الجسد. كما ترتبط هذه الرياضة باتباع نظام غذائي صحي متوازن شامل لكافة العناصر الغذائية المهمة وخالٍ من المواد المصنعة. أنا بالفعل ممتنة للرياضة لأنها زرعت في داخلي عادات غذائية سليمة.

تدريبات وإنجازات

كيف كان روتين تدريباتك؟

اعتدت التدريب يومياً خلال أشهر الصيف ضمن معسكرات تدريبية أخضع فيها للتمرين 3 ساعات صباحاً و3 ساعات مساء، كما أتدرب بشكل يومي لمدة 3 ساعات، ويزداد الوقت المخصص للتدريب في حال التحضير للمشاركة في البطولات.

ما المسابقات والإنجازات التي شاركت فيها والجوائز التي حصدتها؟

بطولة Tokofit الدولية 2021-2023، ومسابقة التنمية الدولية عبر الإنترنت (المستوى الثاني الفضي)، وبطولة أكاديمية شمس/الجمهورية السورية 2022 ، والمستوى الثاني فردي عام، والمستوى الثاني أداة الشريط، والمستوى الثالث أداة الطوق، والمستوى الأول في فريق فتيات طرطوس للجمباز الإيقاعي.
بوصفي عضواً في كورال أرجوان، حصدنا المركز الاول في أضخم مهرجان فني عالمي في أوروبا الشرقية الذي أقيم في مدينة صوفيا ببلغاريا، والميدالية الذهبية بمهرجان برامز الشتوي 2023، والميدالية الفضية لمسابقة مهرجان الكورال العالمي في النمسا World Peace Choral Festival. كما شاركتُ بصفتي عازفة بيانو في حفلات ومناسبات عدة في مدينتي، ومن الإنجازات المهمة بالنسبة إليّ حصولي على درجات ممتازة في الدراسة بالتوازي مع هذه الأنشطة.

ماذا عن عزف البيانو؟

بدأت تعلّم عزف البيانو في عمر الخامسة مع الأستاذ سامر العاتكي، ولاحقاً الآنسة شذا طعمة. انتسبت إلى المعهد العربي لصقل تعليمي الموسيقيّ في عمر 12 عاماً، وبعد هذه السنوات، أصبح البيانو بالنسبة إليّ ملجأ للتعبير عن مشاعري وأحاسيسي وطريقة أبهج بها نفسي والآخرين.
نقترح عليك متابعة هذا الحوار مع هالة العمادي عازفة البيانو القطرية

ʼ أشعر بأن دمشق تتصل بقلبي مباشرة، برائحة شوارعها وأسواقها وقابليتها على التجدد والاستمرارʻ

الموسيقى وتهذيب النفس

ما الذي أضافته الموسيقى إلى آية؟

علمتني أن أستمتع بكل ما هو جميل، وأن أبحث عن الجمال في كل الأشياء، كما جعلتني أكثر رقةً وإصغاءً للآخرين، وللطبيعة والنفس.

يقولون إن الموسيقى تهذب النفس.. هل لمست هذا الأمر مع تعلمك عزف البيانو؟

جعلت الموسيقى مني إنسانة مهذبة، مُحبة للتعامل برقي مع كل الأشخاص تحت أيّ ظرف، كما أنها ساعدتني على الحفاظ على هدوئي واتزاني في الحياة.

حدثينا عن تجربة كورال أرجوان العالمي أكثر؟

انتسبت إلى كورال أرجوان العالمي منذ تأسيسه عام 2016، وقد خضعت لاختبار قبول بصفتي مغنية سوبرانو. تعد تجربة الغناء الجماعي من أمتع التجارب التي يعيشها الإنسان، فالغناء ضمن مجموعة يعزز التواصل بين الأفراد، ويخلق حالة انسجام وهارموني نغمية، وتبني صداقات، وتوطد روابط عائلية.. وبالنسبة إلي، كونت صداقات جميلة في الكورال.

حملات توعية حول البيئة

ماذا عن كونك عضواً في فريق «سلام يا طبيعة»؟

كوني عضواً مشرفاً في فريق «سلام يا طبيعة» المجتمعي الذي يهتم بشؤون البيئة واستكشاف الطبيعة والتأمل، فأنا أستغل كل أوقات الفراغ والعطل المدرسية للمشاركة في مخيمات، ومسير، وحملات توعية للبيئة من تشجير وتنظيف النفايات وإعادة تدوير. وأجد في الطبيعة ملجأ للترويح عن النفس وفرصة للتأمل؛ التأمل الذي يُحافظ على الثبات والتوازن الروحي والجسدي في كافة الأعمار.

لديك الكثير من التدريبات والنشاطات بصفتك مراهقة، حدثينا عن أسبوع من حياتك، وكيف تنظمين وقتك؟

بشكل يومي، أبدأ نهاري بعزف البيانو لمدة ساعة قبل الدوام المدرسي، وبعد العودة من المدرسة وتناول الغداء، أقوم بتمارين الجمباز، بعدها وبالتناوب أخصص يوماً لتمارين القراءة الموسيقية «الصولفيج» ،والعزف في المعهد العربي، ويوماً للكورال. وبعد ذلك أراجع فروضي المدرسية وأخلد إلى النوم، كما أخصص عطلة نهاية الأسبوع لنشاطات «سلام يا طبيعة» وللقاء الأصدقاء والعائلة.

هل أثرت هذه النشاطات في دراستك؟

في الحقيقة أعمل جاهدة بمساعدة والدتي على تنظيم وقتي؛ كي لا تؤثر نشاطاتي وهواياتي في دراستي، وأحرص مع صعوبة الأمر على المتابعة الدائمة والتحصيل العلمي الجيد. ويعود هذا الفضل إلى عائلتي التي تدعمني دائماً، وتركز على أهمية الموازنة بين الدراسة والأنشطة الأخرى، فجميعها تكمل بعضها البعض.

ʼ أقرأ على أقل تقدير ساعتين أسبوعياً خارج كتبي الدراسية، و “آن في المرتفعات الخضراء” للكندية لوسي مود مونتغمري كتابي المفضل ʻ

العائلة والأصدقاء

يعِمم الكثيرون على المراهقين بأنهم انفعاليون ويميلون إلى الأصدقاء أكثر من الأهل في هذا السن؟ هل توافقين؟

لا أحب أن أقارن علاقتي بعائلتي بعلاقتي بأصدقائي، فهما علاقتان متضادتان، أحتاج إلى عائلتي بهذا العمر للرعاية والاهتمام والحنان والتوجيه، كما أحتاج إلى أصدقائي لمشاركتهم التجارب والتعرف إلى الحياة والمجتمع والتعبير عن الأحلام المستقبلية المشتركة، وأتمنى أن يكون دوري في حياة أصدقائي داعماً كما أتمنى دعمهم لي.
العائلة بالنسبة إليّ هي الأمان والاستقرار والحب، عائلتي الصغيرة والكبيرة هي بوابتي الأولى للحياة، وأنا فخورة بها كل الفخر.

يُقال أيضاً «الصاحب ساحب».. ما رأيك؟

هذه المقولة أحيانا صحيحة، ولكن بالوجهين الإيجابي والسلبي، دائماً أحاول أن أؤثر إيجابياً في كل الأصدقاء الذين ألتقي بهم، وأحرص على التعلم منهم، وفي حال شعرت بوجود أشخاص سلبيين أساعدهم على التغير إن استطعت، وإن لم أستطع، أحمي نفسي من التأثر بهم، وأستشير عائلتي في المواقف التي لا أشعر بالارتياح بها.

يرى جيل الثمانينيات والتسعينيات بأنكم جيل محظوظ مع رواج أساليب التربية الحديثة القائمة على الحوار والاحترام.. فماذا يعني لك الحوار؟

الحوار هو أنسب طريقة لتبادل الأفكار والتعلم، لذا أعد نفسي محظوظة في كنف والدين متفهمين، أم وأب يتبنيان الحوار دوماً في توجيهي وتعليمي وتربيتي.

تأثيرات الحرب

هل تأثرت بسنوات الحرب التي شهدها وطنك؟

بالتأكيد، كل إنسان في سورية، خاصةً الأطفال تأثروا بالحرب. بالنسبة إلي عانيت كثيراً فيما يتعلق بإمكانات التدريب والتجهيزات وخطورة التنقل بين المدن؛ ما حدّ كثيراً من فرص السفر والمشاركة داخل سورية وخارجها، ولا أخفيك أن الوضع الاقتصادي تطلب من أهلي جهوداً مضاعفة لتأمين حاجاتي الدراسية والتدريبية التي أصبحت مستحيلة ومن الكماليات بالنسبة إلى معظم الأسر في سورية.

ما أصعب اللحظات التي مررت بها، وكيف تخطيتها؟

مررتُ بلحظات ذعر خلال وجودي في دمشق لحضور معسكراتٍ تدريبية للجمباز الإيقاعي بفعل الأصوات المخيفة كالغارات والانفجارات. ولم يكن سهلاً نسيان تلك الذكريات الحزينة حتى الآن، أتمنى أن تنته الحرب وتتحقق أحلامنا بالسلام والازدهار.

ʼ جعلت الموسيقى مني إنسانة مهذبة، مُحبة للتعامل برقي مع كل الأشخاص تحت أيّ ظرفʻ

دمشق بعيون آية

قمنا بجلسة التصوير بقصر العظم في أقدم مدن العالم «دمشق».. صفي لنا دمشق كما ترينها بعينيك وتلمسينها بقلبك؟

كنت أشعر خلال جلسة التصوير بأنني جزء من هذا المكان الجميل الحضاري، دائماً وفي كل زيارة إلى دمشق القديمة، ألحظ تفاصيل جديدة، أحب النمط المعماري المتنوع فيها، وأحب تفاعل الناس، وأشعر بأن دمشق تتصل بقلبي مباشرة، برائحة شوارعها وأسواقها وقدرتها على التجدد والاستمرار، هي معلمتي الأولى في الإصرار على الحياة.

«الأمل».. هذا ما مثلتِه في جلسة التصوير بوصفك نموذجاً للفتاة الطموحة والمجتهدة.. فهل ترين أنك وأبناء جيلك قادرون على إحداث تغيير حقيقي خلال السنوات القادمة؟

أنا أؤمن أن جيل الشباب الطموح المجتهد، الذي أنا جزء منه، متعطش للتطور وتغيير آثار الحرب، وبإمكاننا فعل ذلك بالتأكيد، فنحن لا نعرف الاستسلام، والأمل بالمستقبل دائماً يدفعنا إلى الأفضل، أحلامنا كبيرة وتستحق الفرص كي تتحقق.

لو قلنا لك إننا نعيش اليوم في المستقبل وإن طموحاتك باتت حقيقة.. فكيف سيكون حالك؟

سأكون مهندسة ديكور ناجحة بعد التحاقي بكلية العمارة، وعازفة بيانو محترفة، ورياضية شغوفة، ومُبادِرة ومُتطوعة في كثير من المجالات لتحسين المجتمع وتنميته، جنباً إلى جنب مع أصدقائي في رحلة التعلم والإبداع.

هل ترين أن الرياضات والموسيقى والتطوع تسهل تحديد الأهداف للشباب؟

بالطبع، تسهل القدرة على تحديد الأهداف، ومن ثم تحقيقها؛ لأنها تغني مهارات الإنسان، وتساعده على اكتشاف ذاته والمجالات التي يبدع بها من خلال النشاطات المرتبطة بها، والتي تتطلب الاختلاط بالآخرين، إلى جانب القراءة.

برأيك ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب؟

بالنسبة إلي، الأثر السلبي لهذه المواقع هو هدر الكثير من الوقت، وعدم استثماره بالشكل الأمثل. ولكن، بإمكاننا الاستفادة منها بمتابعة المحتوى الهادف، والابتعاد عن المحتوى الوهمي الذي يسوق للمثالية الوهمية، ومن الممكن استخدام هذه المواقع للتواصل الإيجابي والدعم النفسي ومشاركة الخبرات والتجارب.

من هنا وهناك

كم ساعة تقرئين في الأسبوع؟

اقرأ ساعتين أسبوعياً خارج كتبي الدراسية على أقل تقدير.

كتابك المفضل..

«آن في المرتفعات الخضراء» للكاتبة الكندية لوسي مود مونتغمري.

من قدوتك في الحياة؟ ولماذا؟

ابنتا عمي رنيم وياسمين، لأنهما فتاتان ناجحتان في عملهما، وقويتان ومستقلتان وداعمتان للآخرين، وتحسنان التصرف في جميع المواقف، وتقفان بجانبي دائماً.

من قدوتك في الجمباز الإيقاعي؟

بطلة سورية وآسيا ليلى درويش.

من عازف البيانو الذي يلهمك؟

الموسيقار الألماني العظيم لودفيج فان بيتهوفن.

صفي لنا الأمل بكلمة؟

الطموح.

 

 

المصدر : سيدتي

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا
/*
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div><\/div>"}; /* ]]> */