لماذا حقق مونديال قطر نجاحا باهرا وهزم كل حملات التشكيك والمقاطعة الغربية؟
نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالًا للكاتب “عمران ملا” أكّد فيه أنه في الفترة التي سبقت مونديال 2022، شنّت وسائل الإعلام الغربية على مضيفته قطر، حملة انتقادات شرسة وغير متناسبة؛ حيث صوّر الصحفيون البلاد على أنها “ديستوبيا بربرية كاريكاتورية”، وكذلك فعل السياسيون، فقد قال زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر إن الحزب لن يرسل أي عضو لحضور البطولة في قطر.
وفي تحدّ لتوقعات الكوارث والمعاناة، رأى كثيرون بطولة كأس العالم -التي انتهت مؤخرًا بإبداع قطري- حدثًا تاريخيًا.
وذكر الكاتب عمران ملا أن الإدانة تجاوزت نطاق الانتقادات المعقولة لقضايا حقوق الإنسان، وفي كثير من الأحيان كانت جهلًا مستشرقًا، فقد كان هناك تكهنات منتشرة ومبهجة بالنسبة لهم في بعض الأحيان، بأن قطر لم تكن مستعدة لاستضافة البطولة، بينما كان الغضب من حظر بيع المشروبات الكحولية في الملاعب واضحًا في طيات تلك الحملات.
وأوضح الكاتب أنه تم ترويج قصص كاذبة عن مهاجرين من جنوب آسيا تعرّضوا للرشوة لدعم فرق كرة القدم، كما قرّرت “بي بي سي” عدم بث حفل الافتتاح، على الرغم من قيامها بذلك في مونديال روسيا 2018.
والآن بعد أن انتهت البطولة، متحدية كل التنبؤات بالكوارث والعذاب، فقد حقّقت نجاحًا باهرًا، وفق الكاتب الذي أشار إلى أنه لم تكن هناك أعمال شغب في الدوحة، ولا اضطرابات كثيرة، ولا كوارث تنظيمية كبيرة، مضيفًا “في الواقع، سار الحدث برمّته بسلاسة غير مسبوقة.. كان كأس العالم الأول في التاريخ الذي لم يتم فيه اعتقال أي من مشجعي إنجلترا”.
لا للكآبة والعذاب
يقول الكاتب إنه “بعد انتهاء البطولة، يجب أن تستمر قطر بالطبع في مواجهة التدقيق بشأن قضايا حقوق الإنسان؛ مثل: معاملة العمال المهاجرين وحقوق الأقليات، ومع ذلك، يبدو أن العديد من المعلّقين عازمون على انتقاد التقاليد الثقافية للبلاد إلى درجة سخيفة”.
وأوضح الكاتب أنهم فعلوا ذلك يوم الأحد الماضي؛ عندما قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بإهداء “البِشْت” -وهو رداء عربي تقليدي ثمين- للأرجنتيني ليونيل ميسي لحصوله على كأس العالم.
وكانت تلك بادرة احترام وكرم ضيافة تهدف إلى تكريم ميسي، وعرض ثقافة الشرق الأوسط في اللحظات الأخيرة من حدث عالمي ناجح بشكل كبير، ولكن لم يره الجميع بهذه الطريقة.
وأضاف الكاتب أن صحيفة “ذا ديلي تلغراف” وصفته بأنه “عمل غريب أفسد أكبر لحظة في تاريخ كأس العالم”. أما محلّل “بي بي سي” غاري لينيكر -الذي حرّض مشاهدي التلفزيون بكلام معادٍ للقطريين في بداية المونديال- فقد سخر باستنكاره، واصفًا “البشت” -الذي يعدّ علامة شرف في قطر- بـ “رداء صغير”.
ووصفت الكاتبة الرياضية في “ذي أتلانتيك” لوري ويتويل، ميسي عند ارتدائه البشت بأنه “مظهر غريب وغير ضروري”.
وأضاف عمران ملا إن الأمر لم يقتصر على وسائل الإعلام البريطانية فقط؛ بل وصل إلى فرنسا -أيضًا- فعلى تلفزيون “بي إف إم” الفرنسي، كان رد فعل النقاد مرعبًا على ارتداء ميسي البشت -الذي يعدّ فخرًا في دول الخليج العربية- حيث سخروا منه، ووصفوه بأنه “خرقة محلية مجفّفة” و”رداء حمام”.
وكما يعرف المسلمون الفرنسيون، أن وسائل الإعلام الفرنسية ترى أي شكل من أشكال الملابس الإسلامية شائنًا وخاطئًا.
التعصب الأعمى
دعا الكاتب البريطاني لدعوة الأشياء بمسمياتها: فتصنيف ذلك هو التعصب الأعمى؛ حيث يمكن أن يُغفر للكثيرين في العالم العربي لافتراضهم أن بعض الصحفيين الأوروبيين، بعيدًا عن دافع الغضب من سِجلّ حقوق الإنسان في قطر، يحتقرون الإسلام والثقافة العربية، موضحًا أن “التغطية الغربية لكأس العالم كشفت عن الغطرسة الثقافية للعديد من الصحفيين، إنهم يعاملون المعايير الأوروبية على أنها محايدة ومعيار ذهبي”.
وأضاف أن “هذه الشوفينية العدوانية كانت سمة من سمات التغطية الغربية لبطولة كأس العالم هذه”، متابعًا بقوله: ضع في حسبانك الشكوى الشائعة من أن البطولة لم يكن يجب أن تقام في الشتاء، وكان هذا هو الحال؛ لأن حرارة الصيف في قطر شديدة للغاية، كما لفت إلى أن مضمون هذا التظلم الغربي، هو أن الأوروبيين لا ينبغي لهم أن يتضايقوا، وأن بقية العالم يجب أن يذعن لتفضيلات أوروبا”.
وأشار الكاتب إلى رد الفعل على حظر المشروبات الكحولية في الملاعب، فقد صوّره البعض في وسائل الإعلام البريطانية على أنه انعكاس أناني للثقافة الإسلامية، من شأنه أن يفسد تجربة حاملي التذاكر، لكن العديد من المعجبين من جميع أنحاء العالم -بما في ذلك النساء وليس المسلمات فقط – شعروا بأمان أكثر وكأنهم في أوطانهم، وكانوا مسرورين بالقواعد الجديدة.
وأوضح الكاتب أنه “لطالما أصرّت وسائل الإعلام والطبقة السياسية الغربية على أن يتبنى بقية العالم حساسياتها وقيمها، وقد يفسر هذا سبب غضبهم من تأكيد قطر الواثق على خصوصية ثقافتها”.
كأس عالم متألق
وأفاد الكاتب عمران ملا أنه بالنسبة للعالم العربي، فقد كانت بطولة كأس عالم هذا العام مدعاة للفخر، فهي الأولى التي تقام في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن مظاهر التضامن مع فلسطين كانت سمة ثابتة من سمات البطولة.
وبالنسبة للعديد من المسلمين، كان من المؤثر للغاية سماع القرآن يُتلى في حفل الافتتاح، وأضاف: “في غضون ذلك، تبنّى عشرات المشجعين من الدول الأوروبية إقامتهم في قطر فرصة للتعرف على الإسلام والثقافة القطرية، وزيارة المساجد وتكوين صداقات جديدة وارتداء الملابس التقليدية، موضحًا أنه قد شوهد مستوى محفز من التبادل الثقافي والروح العالمية التي نحن في أمسّ الحاجة إليها، في عالم منقسم بشكل متزايد”.
واختتم الكاتب مقاله: “تدين هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” ولا سيما لينيكر، ووسائل الإعلام الفرنسية المشهورة بالتعصب وكثير من الصحافة البريطانية باعتذار كبير لقطر، فلقد حان الوقت للاعتراف بأنهم أخطأوا، وأن قطر استضافت واحدة من أروع بطولات كأس العالم لكرة القدم في التاريخ”.