قرار قضائي يعطي الأفضلية للأعراف الثقافية والعرفية ويعتمد على تأكيدات شيوخ العشائر
تقدمت المحاميّة سوسن زهر برسالة لرئيسة المحكمة العليا القاضية إستر حايوت ورئيس محكمة الصلح في بئر السبع القاضي عميت يريف بإسم جمعية نساء ضد العنف حول قرار قضائي يعرّض حياة المرأة بشكل عام والمرأة العربية بشكل خاص للخطر أصدرته القاضية روتيم كودلر عياش من محكمة الصلح في بئر السبع في يوم 06-09-2023
في سياق قرار محكمة صدر مؤخّرًا، نشأت مخاوف بشأن إعطاء الأولويّة للمعايير الثقافيّة التي تقدّس “شرف العائلة” على حساب السلامة والحقوق المباشرة للمرأة التي تواجه العنف الأسري. ويرتبط القرار المذكور بطلب استثنائي ومعقد قدمته الشرطة الإسرائيليّة فيه طلبت إصدار أمر حماية ضد امرأة، ضحية عنف والدها، بهدف منعها من مغادرة مأوى النساء المعنّفات الذي لجأت إليه. وقد تم تقديم هذا الطلب بناءً على معلومات استخباراتيّة تشير إلى وجود تهديد واضح وفوري لحياتها.
وكانت المرأة، المقيمة في منطقة النقب، قد تعرّضت لاعتداءات متعدّدة من قِبَل والدها على مدار شهر يونيو 2023، وأسفرت هذه الاعتداءات عن إصابات خطيرة تحت مسمّى “شرف العائلة”، كما جاء في قرار المحكمة.
ورغم ذلك، فإن قرار المحكمة أعطى الأفضليّة لـ”الأعراف الثقافيّة والعرفيّة” التي تقوم على ما يسمّى “شرف العائلة” حسب قرار المحكمة، واعتمد على تأكيدات “شيوخ العشائر” المقرّبين من مرتكب الجريمة، دون تحديد المصدر القانوني للإعتماد على هذه الأعراف. بناءً على ذلك، أصدرت القاضية قرارًا بترتيب كفالات بواسطة “شيوخ القبيلة”، بعضهم كانوا قريبين من الوالد المعتدي، وأدلوا بشهادتهم أمام القاضية، مُعتبرين أنفسهم “شخصيّات بارزة للغاية”، وذلك بمبلغ يصل إلى 100,000 شيكل لضمان سلامة الضحيّة.
قد أثار هذا القرار غضبنا وقلقنا كونه لا يعرّض حياة الضحيّة للخطر فحسب، بل يخلق سابقة قانونيّة يمكنها أن تؤدي إلى استخدام مستقبلي “للمعايير الثقافيّة” والإعتماد على “شيوخ القبائل” في قضايا العنف الأسري والعنف ضد النساء. يمثّل هذا القرار ظلمًا فادحًا، ليس فقط لهذه المرأة وحدها، بل لجميع النساء اللاتي يجدن أنفسهن عالقات في مواقف مماثلة. علاوة على ذلك، إن القرار يتجاهل الالتزامات الدولية، بما في ذلك نفي اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو – CEDAW)، التي تلتزم بها دولة اسرائيل. كما وينفي هذا القرار قرارات محاكم سابقة ولذلك يعتبر استثنائي.
وفي ضوء هذه المخاوف، من الضروري إعادة تقييم هذا القرار وتعديل التشريعات وتعزيز الممارسات لضمان حماية حقوق المرأة وتقديم الدعم اللازم لها في حالات العنف الأسري. ويجب على النظام القضائي أن يعطي الأولويّة لسلامة وأمن النساء اللاتي يواجهن مخاطر فورية وواضحة على حياتهن. وهنا لا يسعنا إلا أن نذكّر أن لا تقدّر النساء وحياتهن بغرامات ماليّة ولا بكفالات من كبار العائلات وإنما على الناس المهنيّة أن تبدع بإيجاد حلول حماية للنساء وضمان حقّهن بالعيش الكريم وهذا ما كنا نتوقّعه من هيئة المحكمة، ولا أن تساهم في تجذير المفاهيم المجتمعيّة والعادات والتقاليد وتعطيها “شرعيّة قانونيّة”.
هذا القرار خطير جدًا ويشكّل منحدر زلق لإعطاء مصداقيّة للمسّ بحياة النساء ولذلك طالبنا رئيسة المحكمة العليا ورئيس محكمة الصلح في بئر السبع بتدخلهم وفقًا لتقديرهم، كما وطالبنا بتوضيح للقضاة بواجب دولة إسرائيل والجهاز القضائي، بموجب التشريع الإسرائيلي والمعاهدات الدولية، فيما يتعلّق بعواقب الإعتماد على العادات والممارسات المسيئة، بما في ذلك تلك التي تعطي الأولويّة لـ “شرف العائلة” وتشرعن ضمانة “شيوخ القبيلة” لحياة النساء.
إن حياة النساء ليست أوراق مساومة.