عباس النوري في “الشيخ مالك”.. الشغف الذي لا يشيخ

0 7٬054

لم يكن عباس النوري عبر مسيرته الفنية الطويلة فناناً عادياً.. كان دائماً شغوفاً بالفن والمشروع و القيمة التي يمكن أن يضيفها أي دور لمسيرته الفنية الغنية.. دائماً كان البحث شغفه والتبني هدفه.. قيمة هذا الرجل تكمن في تبني مشاريعه والبحث عن الإشكالية في شخصياته… حتى عندما تنتقده لا يكون السبب سوء أدائه.. لا بالطبع.. بل لأنه رفع سقف طموحاتنا كمتابعين لأشكال وأنماط جديدة في كل مرة يظهر فيها.

من القبضاي محمود في “أيام شامية” الذي شكّل علامة فارقة في أدوار البيئة الشامية إلى المعلم “عمر” في ليالي الصالحية ومروراً بالكثير من الأدوار التي من بينها “أبو عصام” في “باب الحارة”، كان عباس النوري باحثاً في مضمون شخصياته وطريقة تقديمها بروحها وأحاسيسها وانفعالاتها أكثر من بحثه عن لفت النظر.. فالنجومية بالنسبة له تحصيل حاصل لما يقدمه.

عباس النوري – الصورة من حسابه على فيسبوك

وعلى سيرة “أبو عصام” من يقرأ هذه الشخصية جيداً يدرك أن عباس النوري قدمها بكل تجلياتها وبكل ما تحمله من أبعاد وبتبني لشخصية من الممكن أن تمر مرور الكرام إذا لم تقدم بأسلوب يمكن وصفه بالسهل الممتنع.

في هذا العام خاض النوري تحدٍ جديد وكعادته يدهشنا بما يحمله من هم فني حقيقي.. “الشيخ مالك” في “مربى العز” لم يكن شخصية سهلة على الإطلاق هو تحدٍ مشترك بين النوري والمخرجة رشا شربتجي ولكنه خرج بصورة فنية وأدائية تستحق التوقف عندها ملياً والخوض في تفاصيلها.

لم يقدم النوري الشخصية بشكلها التقليدي المكرر والمعروف لم يمكن نمطياً إطلاقاً ولم يكن اعتيادياً.. كعادته بحث في حكاية شخصيته وألبسها ثوب الحياة.. كانت من لحم ودم.. اشتغل ببراعة على تفاصيلها.. على حركات الجسد وطبقة الصوت.. والانفعالات الجسدية والنفسية وصولاً إلى حالة التبني التي البست الشيخ مالك حالة التماهي مع الواقع والابتعاد عن التمثيل.

عباس النوري- الصورة من حسابه على فيسبوك

قيمة الأداء هنا تكمن بدقة في بساطته.. لا تعقيد.. لا استعراض.. لا فرد عضلات ولكن عضلات الممثل عباس النوري برزت في طريقة قراءته للشخصية وتشكيلها فكان ابن حارات الشام القديمة شيخاً حقيقياً.. بشر يخطئ ويصيب ويقدم مفردات أداء حقيقية سواء على صعيد الشكل أو المضمون.. تقمص عباس الشخصية بشكلها ومشيتها وحياتها.. لعب على تفاصيل الصوت وحركات الوجه والانفعالات المدروسة.. قدم بحثاً جديداً في قيمة البحث عن حياة الشخصية.. لم يكن عباس النوري وكعادته مهتماً بالظهور ولفت النظر.. فالمنطق يقول أنه شبع من الشهرة وبحكم معرفتي الشخصية به لم يكن باحثاً عنها يوماً.. الهم أن يقدم مقترح جديد في هذه الشخصية وبالمجمل يمكن القول أن الفن هو حالة من البحث والتجريب قد تخطئ وقد تصيب ولكن التميز هو في حالة البحث الكبيرة وهو ما أجزم أن النوري قد فعله.

ولا شك أن رؤية رشا المختلفة له في هذا الدور كانت عنواناً لبحثها الدائم هي الأخرى عن التفرد وعن الرؤية المختلفة ومن أجمل من النوري في تقديم نفسه بصورة مختلفة.

بالنهاية يمكن القول أن الشيخ مالك هو تجربة فنية جديدة تضاف إلى رصيد عباس النوري ولعلها دليل أن هذه الشخصية تؤكد بأن شغف عباس النوري لا يشيخ بل يبقى في عز شبابه مع كل تجربة جديدة يخوضها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا