ساهر بركة لـ”الصنارة”: الأزمة الاقتصادية عميقة وإذا استمرت الحرب، فإن الأشهر المقبلة ستشهد مزيدًا من التدهور!
إسرائيل تواجه أزمة اقتصادية عميقة بعد خطاب نتنياهو حول “العزلة”
ساهر بركة لـ”الصنارة”:
الأزمة الاقتصادية عميقة وإذا استمرت الحرب، فإن الأشهر المقبلة ستشهد مزيدًا من التدهور!
- الحديث عن اقتصاد منغلق يشبه العودة 200 عام إلى الوراء!
- حالة انكماش حقيقية تؤثر مباشرة على مستوى معيشتنا..
- خروج الشركات ورؤوس الأموال إلى الخارج سيؤدي إلى ارتفاع البطالة
حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحافي عُقد في القدس، الأسبوع الماضي، التخفيف من وقع تصريحاته السابقة المثيرة للجدل حول ما بات يعرف بـ”خطاب العزلة” أو “خطاب أسبارطة”، في إشارة إلى وصف إسرائيل كدولة محاصرة ومعزولة اقتصاديًا بفعل الحرب المستمرة في قطاع غزة.
لكن خبراء اقتصاديين أكدوا أنّ محاولات نتنياهو لم تُقنع الأوساط الاقتصادية في الداخل والخارج، في ظل المؤشرات الرسمية التي تكشف عن أزمة عميقة تهدد النمو والمعيشة، وتطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على مواجهة التحديات المستقبلية.
العزلة الاقتصادية وتأثيرها المحتمل على الدولة
تناول الخبير الاقتصادي ساهر بركة، في لقاء خاص مع صحيفة وموقع “الصنارة”، النتائج والتداعيات المحتملة لحالة العزلة الاقتصادية التي أشار إليها نتنياهو، مؤكدًا أن أي عزلة عالمية واسعة النطاق تشمل المقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية سيكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني، وأردف قائلا: ” على صعيد الصادرات والتجارة الخارجية فإن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الصادرات، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، الأدوية، المعدات الطبية، وصناعات الدفاع. وبالتالي فان أي مقاطعة عالمية ستؤدي إلى انخفاض حاد في الإنتاج وتراجع النمو الاقتصادي، وربما توقف بعض الصناعات الحساسة بشكل جزئي”.
وأضاف بركة: ” وعلى صعيد الاستثمار الأجنبي من المعروف، بأن العديد من الشركات الأجنبية لديها استثمارات ضخمة في إسرائيل، سواء في مجالات البحث والتطوير أو الصناعات عالية التقنية. أي عزلة سياسية أو اقتصادية قد تدفع هذه الشركات إلى تقليص نشاطها أو نقل مقراتها إلى دول أخرى، ما يهدد استقرار الاقتصاد ويضعف العملة المحلية. أما القطاعات الحيوية مثل قطاع التكنولوجيا سيكون الأكثر تأثرًا، إذ تعتمد شركاته على استيراد مكونات دقيقة وتصدير منتجاتها للأسواق العالمية. كما سيعاني قطاع البناء والزراعة بسبب نقص العمالة الأجنبية، التي تشكل جزءًا كبيرًا من اليد العاملة”.
وردا على سؤال حول سوق العمل والبطالة، قال بركة: “إن خروج الشركات ورؤوس الأموال إلى الخارج سيؤدي إلى ارتفاع البطالة، خصوصًا بين الشباب والخريجين الجدد، ما سيزيد الضغوط على ميزانية الدولة في دعم العاطلين. أما من حيث الاكتفاء الذاتي وارتفاع الأسعار، فانه في حال توقف الاستيراد والتصدير، ستضطر الدولة للاعتماد على الإنتاج المحلي لتلبية الاحتياجات الأساسية، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات بشكل كبير، بسبب ضعف المنافسة وزيادة نسبة الاحتكار”.
بركة أوضح أن الحرب على غزة تؤثر أيضًا على قطاعات التعليم والصحة والثقافة والرياضة، حيث يُخصص جزء كبير من الميزانية للجيش والدفاع، مما يزيد من ضغط الأزمة الاقتصادية على المواطنين ويؤثر على الخدمات العامة بشكل مباشر”.
المجتمع العربي الأكثر تأثرًا
وأكد ساهر بركة أن “المجتمع العربي سيكون الأكثر تضررًا من أي عزلة اقتصادية أو ارتفاع في الأسعار، وذلك لانخفاض متوسط الدخل مقارنة بالمواطن اليهودي، بالإضافة إلى فروق اجتماعية ومادية متعددة. وقال بركة: “كلما ارتفعت الأسعار وزاد الفقر، فإن الأثر على المجتمع العربي سيكون أكبر بكثير مقارنة ببقية المجتمعات. ارتفاع تكلفة المعيشة سيضاعف الضغوط على المواطن العربي، وسنشهد تراجعًا في ميزانيات المؤسسات والخدمات، ومن الممكن أن تشمل الضغوط مخصصات البطالة أو الإعانات الاجتماعية. العزلة حتى لو لم تكن منطقية في عصر العولمة، تبقى مضرة بشكل واضح.”
وأضاف أن المجتمع العربي يعتمد بشكل أكبر على الخدمات العامة والدعم الحكومي، ما يجعله أكثر هشاشة في مواجهة أي صدمة اقتصادية مقارنة بالمجتمع اليهودي، الذي يمتلك موارد مالية أكبر وشبكات دعم اجتماعي أوسع.
السيناريوهات المستقبلية للعزلة الاقتصادية
أوضح الخبراء أن تأثير العزلة الاقتصادية على إسرائيل سيختلف بحسب مدتها:
- قصيرة المدى (حتى 3 سنوات): أزمات اقتصادية حادة، ارتفاع معدلات البطالة، تضخم أسعار المنتجات والخدمات، وتراجع في جودة الخدمات العامة، بما في ذلك التعليم والصحة والنقل.
- متوسطة إلى طويلة المدى (أكثر من 5 سنوات): ضعف اقتصادي وعلمي وخدماتي كبير، مع بقاء الدولة قائمة على قاعدة صناعية وزراعية لكنها ستصبح أقل قدرة على المنافسة عالميًا. وقد يشهد الاقتصاد تراجعًا هيكليًا في قطاعات التكنولوجيا والبحث العلمي.
كما شدد الخبراء على أن استمرار الحرب في غزة واستمرار العزلة الدولية سيؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي انخفاض القدرة على تطوير مشاريع بنية تحتية جديدة أو تحديث الصناعات القائمة، ما يزيد من التحديات الاقتصادية على المدى الطويل.
المؤشرات الرسمية الأخيرة
معطيات مكتب الإحصاء المركزي، التي نشرت بعد ساعات من خطاب نتنياهو، تعكس صورة مقلقة للاقتصاد الإسرائيلي:
الناتج المحلي الإجمالي: تراجع بنسبة 4% في الربع الثاني من عام 2025 مقارنة بالربع الأول، ما يضع إسرائيل في المرتبة الأدنى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
الناتج الفردي: انخفض بنسبة 5%، أي أن مستوى المعيشة عاد فعليًا إلى ما كان عليه في عام 2021، أي تراجع أربع سنوات إلى الوراء
تفاصيل القطاعات: الناتج الخاص انخفض بنسبة 7%، الاستهلاك الخاص تراجع 4.4%، الاستثمار في البنية التحتية هبط 13%، الصادرات انخفضت بنسبة 7% مقابل ارتفاع الواردات 4%
وأكد بركة أن هذه المؤشرات تعكس حالة انكماش حقيقية ستؤثر مباشرة على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم، مع مخاطر استمرار التدهور في حال استمرار الوضع الأمني الراهن.
تحذيرات الخبراء حول الاقتصاد المغلق
علق ساهر بركة على فكرة نتنياهو حول الاعتماد على اقتصاد ذاتي جزئي أو “اكتفاء ذاتي” قائلاً: “الاقتصاد المغلق لم يعد موجودًا منذ الحرب العالمية الثانية. حتى كوريا الشمالية، التي تعتبر من أكثر الدول انغلاقًا، لا تزال تتاجر مع الصين. في عصر العولمة والتكنولوجيا، لا يمكن لدولة أن تزدهر بمعزل عن السوق الدولية، والحديث عن اقتصاد منغلق يشبه العودة 200 عام إلى الوراء.”
وأضاف: “محاولات الحكومة تبرير الوضع من خلال هذه الخطابات لن تغيّر من الواقع شيئًا. الأزمة الاقتصادية عميقة، وإذا استمر الوضع الأمني والحرب، فإن الأشهر المقبلة ستشهد مزيدًا من التدهور، سواء على صعيد الاستثمارات أو مستوى معيشة المواطنين.”