“جون ويك 4”.. عروض راقصة على حافة الموت

0 6٬810

يُعرض حاليا حول العالم فيلم “جون ويك: الفصل 4” (John Wick: Chapter 4) بطولة كيانو ريفز، وإخراج تشاد ستاهلسكي، الذي أصبح أنجح أفلام السلسلة من الناحية التجارية وقد حقق حتى الآن 417 مليون دولار، مقابل ميزانية 100 مليون دولار، وهو في المرتبة الخامسة من حيث الإيرادات في عام 2023.

بدأت سلسلة أفلام “جون ويك” عام 2014 وقد حققت نجاحا كبيرا منذ الفيلم الأول ما أهلها للاستمرار لـ3 أفلام أخرى، بالإضافة إلى مسلسل قصير جاري إنتاجه الآن، وفيلم “فرعي” (spin-off) يتناول أحداثا تقع بين الجزئين الثالث والرابع، بالإضافة إلى مشروع جزء خامس لم يتم الإعلان عنه رسميا بعد.

 

جون ويك وفن التفوق على النفس

تبدو أحداث أفلام “جون ويك” بأجزاء السلسلة الأربعة كما لو أنها نفس القصة مكررة في أماكن مختلفة ومع أعداء جدد في كل مرة، البطل “جون ويك” المقاتل السابق الذي لا يرغب سوى في الاعتزال بعد وفاة زوجته يضطر إلى محاربة مجموعة كبيرة من الأشرار الذين يحاولون إجباره على العودة للعمل، أو ينتقمون منه لكسره بعض قواعد العالم الإجرامي التي أقرتها منظمة “الطاولة العالية” (The High Table).

العامل الوحيد المختلف في كل مرة قوة وطبيعة العدو الذي يقاتله “جون ويك”، ففي الجزء الرابع على سبيل المثال يواجه البطل “ماركيز” فرنسي وأحد أعضاء منظمة “الطاولة العالية” الذي عليه التخلص من “ويك”، وخلف هذا الشرير -الذي يغلف عنفه بطابع من الأناقة- يقف جيش من المرتزقة و”كاين” وهو صديق سابق لجون ويك هدده الماركيز فنسنت دي غارموت بقتل ابنته.

ومع كل فيلم لدينا البطل ومجموعة من الحلفاء وبضعة أعداء وصراع على إثبات من هو الأكثر قوة ومهارة، وعشرات القتلى الذين يصرعهم “جون ويك” بنفس قدرة وسرعة المبيد الحشري في قتل مستعمرة ذباب، ما يجعل المشاهدين يعودون للفيلم التالي، وهو ما يشير إلى منافسة المخرج تشاد ستاهلسكي لنفسه، والتفوق على فيلمه السابق، خصوصا في مشاهد الأكشن التي احترفها منذ كان “ممثلا بديلا” (دوبلير) لـ”كيانو ريفز” في أفلام “الماتريكس” (The Matrix).

يتكون فيلم “جون ويك: الفصل 4” من عدة مشاهد قتال طويلة ومصممة بدقة يصل بينها مقاطع قصيرة للشخصيات وهي توضح تفاصيل الصراع أو القصص الخلفية التي دفعت إلى الحرب، ليشبه الفيلم في النهاية أحد عروض “الباليه” التي لا تحتاج إلى حوار لفهم أحداثها، فهي تستخدم الحركة والتفاعل بين مؤديها لتوضيح القصة والصراعات.

والمنافسة يخوضها المخرج ليس فقط مع أفلامه السابقة ولكن كذلك بين مشهد وآخر، فيجب تصميم كل مشهد بحيث يصبح ذا طابع ومذاق خاص ومبهر أكثر مما سبقه بقدر الإمكان، ويعد من أفضلهم في هذا الفيلم تسلسل القتال في فندق “كونتننتال أوساكا”، وقد غلبت عليه الفنون القتالية الآسيوية التي أسبغت عليه طابع فيلم “الفتى العجوز” (Oldboy) للمخرج بارك تشان ووك، وفيه يقع قتال بالسيوف في أرجاء الساحة الواسعة وداخل مطبخ المنشأة، والبطل “جون ويك” يستخدم الأسلحة ذات الطابع الشرقي بصورة ممتازة، ولكن ليس بما يكفي، حيث يقع في فخ “الاستيلاء الثقافي” (Cultural appropriation)، ولم يتفوق على غريمه الآسيوي “كاين” الأكثر براعة بالتأكيد في قتال السيوف وإن كان فاقد البصر.

تصويره أهم من الأكشن

هناك جانبان يكمّلان بعضهما البعض، ولكن في ذات الوقت قد يتضادان في أفلام الأكشن، وهما تصميم مشاهد القتال وطريقة تصويرها. في بعض الأحيان، تجبر تصميمات مشاهدُ القتال المعقدة المخرجَ على التصوير بطرق محدودة مثل استمرار الكادرات المتوسطة أو الواسعة لإبراز الممثلين وحركتهم وعدم تحريك الكاميرا، وفي أوقات أخرى، تعتمد هذه الأفلام على تصوير لقطات شديدة القصر لكل حركة، ثم الجمع بينها بالمونتاج، وقد تصبح الخلفية التي تجري فيها مشاهد الأكشن أشد جاذبية من القتال نفسه، أو يتجلى الجذب في الحوار الجاري خلال هذه المشاهد لنرى صراعا مزدوجا، بالأيدي وبالكلمات.

تتكون مسيرة المخرج تشاد ستاهلسكي من 4 أفلام فقط، وهي أجزاء سلسلة “جون ويك”، ولكن ذلك لا يقلل من قدراته الفذة في فهم النوع السينمائي الذي يقدمه، وكذلك الوسيط نفسه، فكل مشهد أكشن من مشاهد أفلام جون ويك تتميز بحرفية عالية في التصميم يقابلها نفس المستوى من الجودة في التصوير السينمائي والخلفية التي يدور فيها المشهد، وقد تعاون في هذا الفيلم مع دان لاستسين كمدير تصوير وهو المرشح مرتين لأوسكار أفضل تصوير من قبل.

إن مشاهد الأكشن في فيلم “جون ويك: الفصل 4” خاطفة للأبصار فعلا، وقد اعتمدت على حركة الكاميرا الرشيقة، التي بدت كما لو أنها واحدة من المتقاتلين وشريكة في رقصة قاتلة، وقد تسقط ضحية مثل أعداء جون ويك.

ويظهر ذلك بشدة في مشهد القتال ما قبل الأخير بين أبرز معالم باريس وفي الشوارع الرئيسية والسيارات التي يجب على الكاميرا مجاراة سرعتها وتتبع حركة البطل الذي لم تهدأ لثانية، وفي جزء آخر من هذا التسلسل تنتقل الكاميرا إلى الأعلى فننظر للمشهد بشكل عمودي ونرى حركة البطل بين غرف المنزل المختلفة كما لو أن المشاهد دخل أحد ألعاب الفيديو.

وفي مشاهد أخرى كانت الإضاءة -وهي كذلك إحدى مسؤوليات مدير التصوير- لاعبا أساسيا في تصميم حركات الأكشن وإبراز جمالياتها، مثل مشهد الملهى الليلي والمياه المتساقطة وخلفها أضواء النيون المختلفة، أو المشهد الختامي والمبارزة الأخيرة بين “جون ويك” وغريمه “كاين” في لحظات شروق الشمس وباريس في الخلفية.

يستحق فيلم “جون ويك: الفصل 4” تقييمات النقاد المرتفعة للغاية لفيلم أكشن، وقد حصل على 94% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes)، ويستحق أيضا الإيرادات التي حققها ولا يزال يحققها؛ فهو عمل لن يحتل فقط مكانة عالية بين أفلام الأكشن، ولكن سيساهم في تطوير هذا النوع السينمائي في السنوات القادمة.

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا
/*
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div>
<\/div><\/div>"}; /* ]]> */