المحلل السياسي د. سليم بريك لـ”الصنارة”: نتنياهو يستعمل كل نقاط الضعف في نظام الحكم بشكل ذكي لهدم الديمقراطية بشكل مطلق
الصنارة: هل اسرائيل ذاهبة نحو الديكتاتورية؟ وما هي المؤشرات على ذلك؟
د. بريك: بالتأكيد. هنالك عدة مؤشرات على ذلك وأولها سن القوانين وتمريرها بسرعة كبيرة. تم مؤخرا تمرير بالقراءة الأولى، قانون لجنة تعيين القضاة، وهذا من أهم القوانين لأنه يعني سيطرة الحكومة على القضاء. من أهم أسس الديمقراطية في العالم، أن تخضع الحكومة لسيطرة القانون. أما في اسرائيل ومع تمرير هذا القانون ستكون الحكومة فوق القانون. نقطة ثانية هي التآكل في حق التظاهر وحرية التعبير، وشاهدنا بالأمس في تظاهرة القدس تعامل الشرطة مع المتظاهرين، وهذا يذكرنا بممارسات أنطة ديكتاتورية.
يضاف الى ذلك، سيطرة الحكومة على وسائل الاعلام والأكاديميا، بهدف تكميم الأفواه وتقليص مدى الحريات العامة. وباتت الحكومة تسيطر على الكنيست ولم يعد هناك فصل سلطات حقيقي في اسرائيل، والسلطة التي يمكن القول وبخجل أنها مستقلة، هي السلطة القضائية مع أننا نرى التآكل في استقلاليتها. واذا مر قانون لجنة تعيين القضاة في القراءتين الثانية والثالثة، فهذا يعني انتهاء الديمقراطية في اسرائيل تماما.
الصنارة: كيف ينجح نتنياهو في تجاوز العقبات القانونية، والحفاظ على نفسه على سدة الحكم، رغم كل ما ذكرته؟
د. بريك: نتنياهو انسان ذكي، ويعلم ما هي نقاط الضعف في نظام الحكم في اسرائيل، ويستعمل كل نقاط الضعف بشكل ذكي لهدم الديمقراطية بشكل مطلق، على سبيل المثال معاملة عائلات الأسرى بشكل غير مسبوق، أضف اليها سلوك سموتريتش الذي لا يحول الميزانيات المستحقة للمجتمع العربي، فهو يريد أن يكون فوق القانون والأعراف. الفساد الحكومي في الوزارات المختلفة، مثلا تعامل وزير المعارف مع مدير مدرسة واتهامه بأنه “أزعر”، بينما هو يمارس العنف ولا ينصاع للقانون. كل تلك المؤشرات تدل على أننا موجودن في فترة حرجة جدا.
واهم من يظن أنه توفر حكم ديمقراطي في الماضي، ما كان هو تقليد للديمقراطية، أضف الى ذلك الحواجز التي يضعونها أمام المواطن العربي، وآخرها عدم ممارسة حق التصويت، فالعرب لا يمكنهم أن يكونوا جزءا من الائتلاف وبالتالي لن يحصلوا على ميزانيات.
نحن نتحدث عن ائتلاف يتكون من الصهيونية الدينية التي لا تؤمن بالقيم الديمقراطية، وهي موجودة في كل مرافق الدولة وأجهزتها، ومن الحريديم الذين لا يؤمنون بالقيم الديمقراطية. أمر ثالث هو الفاشية داخل الليكود، قسم من الليكود أصبح فاشيا بكل مفهوم الكلمة، ويظهر ذلك في اقصاء الأقليات والشعبوية. كل هذه الأمور تساعد نتنياهو بالسيطرة على الأجهزة الحكومية وتحويلها الى أدوات لخدمة النظام.
ونقطة اضافية جاءت لصالح نتنياهو هي عودة ترامب الى البيت الأبيض، الذي لا يؤمن بالقيم الديمقراطية ويعمل حاليا داخل الولايات المتحدة على هدم المؤسسات والسلطة القضائية فيها.
الصنارة: أمام هذه التحديات، يضاف إليها استبعاد الأحزاب اللاصهيونية المعارضة عن نشاطات المعارضة الصهيونية، وكذلك بينيت الذي يستعد للعودة الى الحياة السياسية ويطمح بالوصول الى منصب رئاسة الحكومة ويعد من أقوى المنافسين لنتنياهو، يعلن على الملأ أنه لن يتحالف مع أحزاب غير صهيونية هذه المرة!
د. بريك: لا أعول كثيرا على تلك الأحزاب وخاصة “العربية”، وقد شاهدنا فشلها في السابق. الأحزاب العربية كانت جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل. أظن أنها ستكون في المرة القادمة خارج اللعبة، حتى لو لم يتم تغيير القوانين.
بينيت عنصري، فهو من عمل على تغيير قانون المواطنة وكتب المدنيات ومحا الخط الأخضر، هو من عمل على اضعاف السلطة الفلسطينية وهو ليس فتى أحلاما الديمقراطية. نحن لن ننتقل من حكم نتنياهو الى حكم متنور والبديل له ليس أفضل بكثير، رغم كونه أفضل من بن غفير وسموتريتش.
الصنارة: كيف تفسر عودة ساعر الى صفوف حزب الليكود وهو الذي أعلن قبل عام عدم عودته لهذا الحزب، بل هاجم نتنياهو وأعلن منافسته على رئاسة الحكومة؟
د. بريك: عندما طرح السؤال عن أقدم مهنة في تاريخ الكون، هناك من قال انها الدعارة وهناك من قال انها السياسة. وساعر يثبت اليوم أن الدعارة السياسية أقدم مهنة. لقد تصرف بشكل ميكيافيلي مطلق، انتهازي يريد الحفاظ على نفسه سياسيا وأيقن أن عليه أن يخضع لنتنياهو في سبيل ذلك، وهذا ما حدث وتخلى عن كل القيم التي تحدث عنها، ومن المفارقات أنه هو الذي عين المستشارة القضائية للحكومة في حينه، بينما يعمل اليوم على إقالتها. المشكلة في الثقافة الديمقراطية التي تنعدم في اسرائيل، ساعر هاجم وزير المعارف انه انتهازي وهو يعمل مثله اليوم.
الصنارة: هل استئناف الحرب على غزة يعني توسيع مدى الحرب وانتقالها إلى جبهات أخرى بما فيها ايران؟
د. بريك: هذا صحيح. ايران موجودة الآن على رأس سلم الأهادف. بعد الحرب على الحوثيين في اليمن، سيأتي الدور على ايران. الاستراتيجية الأمريكية منذ عهد بايدن كانت التوسع من الدائرة الضيقة الى الدائرة الواسعة. أولا التخلص من حماس بعدها اضعاف حزب الله بحيث لا يقوى على مهاجمة اسرائيل، واليوم الدور على الحوثيين وبعدهم ايران لأنها تقف وراءهم، وترامب يهدد ايران. لكن يبقى السؤال اذا باستطاعة روسيا تحقيق اتفاق بين ايران والولايات المتحدة، خاصة وان ترامب توجه لبوتين في هذا الموضوع.
الصنارة: ما هي دلالات زيارة وفد المشايخ الدروز من سوريا إلى اسرائيل، وهل لها أبعاد سياسية؟
د. بريك: هذه الزيارة جاءت بمبادرة مشايخ الطائفة الدرزية في اسرائيل لأسباب دينية فقط، خاصة وأن أهالي حضر لم يزوروا الأماكن الدينية منذ أكثر من نصف قرن، وهذا كان السبب الحقيقي. لكن بنظري أنه كان خطأ القيام بهذه الزيارة لسببين: أولا كان يجب أن تتم الزيارة بالتنسيق مع الحكومة السورية الحالية، لأن سكان حضر هم سكان سوريون. والثاني أنه في هذه الفترة ومع وجود هجوم على الطائفة الدرزية في سوريا، واتهامها بالتطبيع مع اسرائيل، جاء توقيت الزيارة خاطئا.
الدروز في اسرائيل لا يتدخلون في شؤون سوريا التي نريدها مستقلة وموحدة لصالح جميع المواطنين، وأن يكون النظام كذلك وليس أصوليا، لكن للأسف لا نرى أن النظام السوري الجديد ذاهب في هذا الاتجاه.
لا توجد أبعاد سياسية للزيارة، لكن أعلم أن هناك بعض الانتهازيين الذين يدعون لتدخل اسرائيل وحماية الدروز في سوريا، لكن موقف غالبية الدروز والذي يمثله الشيخ موفق طريف، وقد تابعت تصريحاته للاعلام، يؤكد على أن الزيارة دينية، وأنه لا يرغب بالتدخل سياسيا في شؤون سوريا، لكن ما يهمنا جميعا مساعدة أهلنا في سوريا وهذا أمر مشروع.