أيام شامية: أول مسلسل فتح الباب أمام مسلسلات البيئة الشامية
ولكن هذا النمط الدرامي الذي فرض نفسه على الشاشات لم يكن ليحضر بهذه القوة لولا العمل الذي يمكن تصنيفه أنه الأول في هذا المضمار وهو مسلسل “أيام شامية” للكاتب أكرم شريم والمخرج الراحل وشيخ كار مسلسلات البيئة الشامية؛ بسام الملا.
أيام شامية قبل أكثر من 21 عاماً
في عام 1992 قدم المخرج الراحل بسام الملا مسلسل أيام شامية الذي حقق نجاحاً غير مسبوق حينها وجعل الجمهور يتسمر أمام الشاشة لمتابعة أحداثه بشغف وشوق. فكان العمل في هذا المضمار، والذي نبه القائمين على صناعة الإنتاج الدرامي السوري، إلى مدى تعلق الناس حينها بهذا النمط والبيئة البسيطة والغنية بالتفاصيل. ولعل الحديث عن المروءة والشهامة وإغاثة الملهوف كانت نقاطاً رئيسية في هذا النمط الدرامي الذي بات نمطاً مكرساً وله ثقله الدرامي.
شوارب محمود الفوال القصة والحكاية
دارت قصة مسلسل “أيام شامية” حول اضطرار محمود الفوال الذي أدى دوره النجم السوري عباس النوري إلى رهن جزء من شاربيه مقابل اقتراض مال وما دار حول ذلك من مشاكل نتيجة ضياع القطعة القماشية التي تحوي جزءاً من الشاربين وشعور محمود بالعار والجدل الكبير الذي دار بينه وبين الذي قام بإقراضه المال والذي أدى دوره الراحل الكبير خالد تاجا.
القبضاي سيفو العكر على طريقة الراحل ناجي جبر
كما شكلت شخصية القبضاي “سيفو العكر” التي أداها الراحل ناجي جبر علامة فارقة في المسلسل، حيث برع بأداء الشخصية وقدم تصوراً لافتاً للبطل الشامي، حينها جعل اسم القبضاي الشامي يتكرر كثيراً. فكان الراحل ناجي جبر مرجعاً لهذا النمط من الشخصيات حتى إن هناك معلومة قد تغيب عن الكثيرين أن شخصية العكيد “أبو شهاب” في مسلسل “باب الحارة” كانت من نصيب جبر الذي اشتهر بأداء شخصية “أبو عنتر” ولكن ظروفه حينها لم تسمح له بأدائها فذهبت للنجم سامر المصري الذي برع بأدائها بطريقة مميزة.
الزعيم الراحل رفيق سبيعي والشخصية التي التصقت به
أما شخصية “الزعيم” التي أداها فنان الشعب رفيق سبيعي في هذا المسلسل فبقيت ملتصقة بتاريخه الفني حتى بات يُطلق عليه لقب الزعيم، حيث شكلت الشخصية مرجعية درامية وحالة أدائية قدمها الفنان الراحل عبر حلقات المسلسل، الذي شكّل مرجعية الحارة في كل حالتها الخلافية والتوافقية ومنها خلاف شخصية “حمدي القاق” التي أداها النجم بسام كوسا مع “سيفو العكر”.
الحالة الاجتماعية بكثير من تفاصيلها
كما تناول العمل الحالة الاجتماعية للحارة ويوميات ساكنيها في مهنهم وفي حياتهم الشخصية سواء الحلاق أو صاحب المقهى أو المنجد، كما أظهر العمل الحالة الحميمية بين أبناء الحارة الواحدة في الأفراح والأحزان بالإضافة إلى صراع الضرائر الذي جسدته اثنتان من أمهر الفنانات اللواتي أدين أدواراً في مسلسلات البيئة الشامية وهما القديرتان سامية الجزائري ووفاء موصلي.
نجوم برعوا بأداء أدوارهم
ولعل من أهم أسباب نجاح مسلسل أيام شامية حينها هو الأداء المتميز الذي قدمه نجوم العمل حينها، حيث برعوا بأداء شخصياتهم في المسلسل الذي امتد لخمس عشرة حلقة فكانت أحداثه متسارعة ومتشابكة بعيداً عن التطويل. ومن أبرز المشاركين في المسلسل رفيق سبيعي، ناجي جبر، عدنان بركات، تيسير السعدي، هالة شوكت، سليم كلاس بالإضافة إلى النجوم بسام كوسا، عباس النوري، حسام تحسين بيك، هدى شعراوي، وفاء موصلي، سامية الجزائري وغيرهم.
نادين تحسين بيك كانت حاضرة أيضاً
ولعل القلائل ممن يتذكرون أن النجمة السورية نادين تحسين بيك قد حضرت في العمل حينها، حيث أدت شخصية الطفلة ابنة أبو ضاهر الصغرى ولتستمر مسيرتها التمثيلية ولتصبح في الوقت الحالي واحدة من أبرز النجمات السوريات والعربيات.
قيس الشيخ نجيب شارك بالمسلسل
كما شهد مسلسل أيام شامية مشاركة النجم السوري وبطل مسلسل الخائن قيس الشيخ نجيب في العمل، حيث جسد شخصية الشاب الصغير ياسين الذي يتعلم مهنة التنجيد ويقوم بمناكفة صاحب المحل ويسبب له المشاكل.
وقال قيس في ندوة عن المسلسل حينها عرضها التلفزيون السوري إنه سيستمر في مهنة التمثيل وسيدخل المعهد العالي للفنون المسرحية.
عن بسام الملا صاحب العلامة الفنية وليست التجارية
وبالطبع فإن كل ما سبق ذكره عن هذا المسلسل الذي شكّل البوابة الحقيقية لظهور دراما البيئة الشامية وتطورها لم يكن لولا نظرة ورؤية المخرج الراحل بسام الملا. ولا نُخطئ إن قلنا إنه شيخ كار هذه الصناعة بكل تفاصيلها، فبعد هذا العمل كرَّس بسام الملا جزءاً كبيراً من مسيرته المهنية لهذا النمط الدرامي وبرع فيه بقوة حتى إنه أصبح صاحب العلامة التجارية أو بعبارة أدق الفنية لهذا النمط من الأعمال.
فكانت للراحل الملا بصمته الكبيرة في هذا النمط، وكان شديد التركيز على تفاصيل التفاصيل في هذه الأعمال والتي جعلت من مسلسلاته الشامية ذات مرجعية كبيرة، وحققت نجاحات كبرى عبر مسيرة طويلة من الأعمال، فترك خلفه ذاكرة فنية يحترمها كل من يعملون في الوسط الفني وأيضاً الجمهور الذي تفاعل مع أعماله وتابعها بقوة.
كانت ميزة الراحل بسام الملا أنه يجيد ببراعة تقديم التفاصيل الاجتماعية والحياتية وبنفس الوقت يبرع بصناعة التشويق ما شكل حالة فنية تستحق التوقف عندها مطولاً. وإذا ما سلمنا جدلاً أن أعمال البيئة الشامية التي قدمها الراحل لا تزال تلقى صدى ونسب متابعة عالية عند إعادة عرضها لمرات كثيرة، ولعل لنا في “باب الحارة” و “ليالي الصالحية” و “الخوالي” أمثلة حيّة.
هو البوابة والأعمال مستمرة
كان مسلسل أيام شامية هو المفتاح الذي فتح الباب واسعاً أمام نمط درامي جديد حينها وهو “البيئة الشامية” والذي لا يزال حاضراً لدى الجمهور العربي في كل موسم رمضاني، ولا يزال عدد كبير من المتابعين يتعلقون بهذا النمط ويجدون فيه حالة من الحميمية الاجتماعية أو النمط الذي يختلف عن سواه من الأنماط الدرامية.
عباس النوري يتحدث لـ “سيدتي” عن “أيام شامية”
بدوره النجم عباس النوري أكد أن هذا العمل هو البوابة لأعمال البيئة الشامية حيث قال ذلك في حوارٍ سابق مع مجلة سيدتي تم نشره في العام 2022، وفي رده على سؤال حول شخصية “أبو العز” التي قدمها في مسلسل “حارة القبة”: “تبدو شخصية “أبو العز”، وكأنها استكمال لتطور شخصية البطل الشامي، ولكني لا أميل لهذه النظرة، وأفضل رؤية كل شخصية على حدة ضمن حكايتها فـ “أبو عصام” كانت له حكايته في مسلسل “باب الحارة”، وكذلك “المعلم عمر” في مسلسل “ليالي الصالحية”، وأعود بك إلى المسلسل الأكثر متابعة من غيره، وهو “أيام شامية” والذي أنتج عام 1992 وأديت فيه وقتها شخصية “محمود الفوال”، وبرأيي هذا المسلسل هو السر وهو اللغز، وشكّل شرارة الانطلاق لكل الأعمال الشامية التي أنتجت بعده سواء شاركت بها أم لم أشارك، ولكنه برأيي يبقى الأهم؛ لأنه الرحم الذي خرجت من تجربته كل الأعمال التي تلته”.
الفانتازيا الشامية لهذا السبب
بكل تأكيد شكلت مسلسلات البيئة الشامية موقع ثقل درامي حقيقي سواء اختلف النقاد معها أو اتفقوا لناحية أنها لم تقدم التاريخ الحقيقي لمدينة دمشق وأنه لم تكن كما تصورها مسلسلات البيئة الشامية.
كما أكدت العديد من المراجع التاريخية أن حارات الشام لم يكن فيها زعيم وعكيد وغيرها من المصطلحات التي سادت في مسلسلات البيئة الشامية بمختلف أعمالها ليأتي مصطلح “الفانتازيا الشامية” أي أنها دراما متخيلة لا توثق مرحلة تاريخية معينة ولا تخوض في تفاصيل السرد التاريخي للمرحلة التي تدور فيها أحداث المسلسل.