أخطاء متكررة وجدل واسع.. الدراما التاريخية المصرية في انتظار محققي التراث

0 9٬066

القاهرة- تتكرر الأخطاء التاريخية في الدراما المصرية خاصة الرمضانية، ومنها في هذا العام المسلسل الدرامي التاريخي “رسالة الإمام” للمخرج الليث حجو، الذي يتناول السنوات الأخيرة في مصر للإمام محمد بن إدريس الشافعي (150-204هـ / 767-820م)، ومسلسل “سره الباتع” للمخرج خالد يوسف الذي يدور جزء كبير منه حول الاحتلال الفرنسي لمصر (1798-1801).

وبحسب مختصين تحدثوا للجزيرة نت، فإن الأعمال الدرامية المصرية تواجه مشكلة غياب دور جهات تحقيق التراث والتاريخ، وهو الدور الذي يقوم به الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي بعد عرض تلك الأعمال.

وطالب البعض بإصدار تشريع برلماني عاجل يعالج الأزمة، بالتزامن مع تطوير برامج أكاديمية موجهة لكتّاب الدراما، والاهتمام بتحقيق الأعمال الدرامية ضمن تخصصات المهتمين بالتراث، إضافة إلى زيادة الرقابة على صحة النصوص ودقتها التاريخية، مع التدقيق في مهنية وكفاءة المراجع التاريخي.

مسلسل سره الباتع
مشهد من مسلسل “سرّه الباتع” (مواقع التواصل)

مساران للحل والتصحيح

واقترح الدكتور خالد فهمي الرئيس الأسبق لدار الكتب والوثائق القومية المصرية، أستاذ النقد الأدبي في كلية الآداب بجامعة المنوفية في مصر، مسارين لعلاج استمرار الأخطاء التاريخية في الدراما المصرية، هما: المسار التشريعي العاجل، وتطوير المسار الأكاديمي عبر إدخال علم جديد وهو تحقيق الأعمال الدرامية ضمن علم تحقيق التراث.

ويوضح فهمي -في حديثه للجزيرة نت- أن تنوع الجهات التي من المفترض أن تعرض عليها مثل هذه الأعمال قبل إذاعتها كثيرة، كاتحاد المؤرخين أو الجمعية التاريخية المصرية أو الأزهر أو أسقفية البحث العلمي في الكنيسة أو وزارة السياحة والآثار وغيرها، وهو ما يتطلب حلا سريعا بتمرير مشروع قانون يمنح هذه الهيئات -كل في اختصاصه- حقّ المراجعة لفترة تاريخية ما، مع ندب مختصين للمراجعة الميدانية أولا بأول أثناء تصوير الأعمال وقبل وصولها إلى المشاهد.

ويضيف الأكاديمي المصري أن الحاجة باتت ملحة لتطوير الأقسام والبرامج العلمية، عبر تأسيس فرع جديد في علم تحقيق التراث، يهتم بتحقيق الأعمال الدرامية التي تتناول شأنا تراثيا، موضحا أن هناك مكانيين مرموقين بمصر هما معهد البحوث والدراسات العربية ومعهد المخطوطات العربية التابعين للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية، يقع عليهما العبء الأكبر في هذا.

ويؤكد الرئيس الأسبق لدار الكتب والوثائق القومية المصرية أهمية تجاوز التحقيق في الروايات والنص ولغة العصر فقط، إلى تحقيق الملابس والألوان وأنماط العمران وقتها، وأنواع الطعام والأثاث وأدوات الكتابة ووسائل النقل، والمنشآت الحضارية الموجود وقتئذ.

ويشير فهمي إلى أن السيناريست يجب أن يطور نفسه، ويدرس ما يعينه على كتابة العمل الدرامي التاريخي، وهو دور يجب أن ينتبه له المعهد العالي للنقد الفني التابع لوزارة الثقافة، وأمثاله.

وضرب الأكاديمي المصري المثل بما صنعه الكاتب الدرامي الكبير الراحل محمد علي ماهر (1917-1989)، الذي أفاد المنظومة الدرامية المصرية بتقنيات جديدة منها تقنية الراوي، وساهم في تطور الدراما الدينية على وجه الخصوص بمصر.

غياب المراجع التاريخي الرصين

من ناحيته، يرى الأكاديمي والباحث المتخصص في الآثار الدكتور حسين دقيل، أن الأزمة تنبع من غياب المتخصص الذي يراجع العمل التاريخي بشكل رصين ودقيق وبمهنية حقيقية، موضحا أن ذلك كان سبب أزمة شهيرة عام 2021، تسببت في وقف مسلسل “الملك” بسبب أخطاء تاريخية متصلة بالعصر الفرعوني في مصر.

وفي حديث للجزيرة نت، قال دقيل إن من حقّ السيناريست والمخرج القيام بما هو مفيد للحبكة الدرامية، وهو أمر معتاد ومقبول، وموجود في القصص الأدبية بالأساس التي يدرسها الطلبة أو يشتريها هواة الأدب منذ أزمنة بعيدة، لكن الأزمة في تغول الحبكة الدرامية على أصل القصة وحقيقة التاريخ.

ويشير الأكاديمي المصري إلى أن هناك المئات من الرسائل العلمية والتاريخية الأكاديمية التي تناولت تاريخ الإمام الشافعي، لكن ظهور أخطاء في المسلسل المعروض حاليا بعد كل ما قيل عن مراجعته وتدقيقه يكشف عن إهمال يجب تصحيحه، رافضا نظرية المؤامرة وما يقال عن تعمد تشويه الرموز التاريخية.

ويرجع دقيل ما حدث من أزمات إلى ما يراه من استسهال وتقديم للعلاقات على المهنية في بعض الأحيان، إلى جانب رغبة البعض في وجود مراجع تاريخي يطوّع النص التاريخي لما يريده المخرج أو المؤلف، على حد تعبيره.

 

 أزمة موثوقية

من جانبه، يرى الأكاديمي والمحقق اللغوي الدكتور رمضان فوزي أن الإشكالية تقع في عدم تفعيل دور الجهات الأكاديمية المتخصصة في تحقيق المخطوطات بمصر، حتى ظلت أعمال المحققين حبيسة الأدراج، بينما يقوم عدد من كتاب السيناريو باستخدام شبكة الإنترنت دون توثيق معلوماته، وهو ما يظهر في الأعمال الدرامية بين حين وآخر.

واعتبر فوزي -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك أزمة موثوقية في القائمين على الأعمال الدرامية، في ظل عدم التخصص أو المراجعة الدقيقة المستمرة حتى اللحظة الأخيرة للعمل، وعدم تفعيل الجهات المعنية دورها في مراقبة النص رقابة “تأصيلية” تعتني بصحة العمل ودقته.

ويعرب فوزي عن استيائه مما وصفه بـ”السقطات غير المسبوقة” في مسلسل “رسالة الإمام”، وأمثاله من الأعمال الدرامية التي تعاني من أخطاء تاريخية وتراثية ولغوية فجة تشوه الرموز، وفق اعتقاده، متسائلا “كيف تتم نسبة بيتين من الشعر للإمام الشافعي رغم أنهما لشاعر سوري معروف، مما يعني أن السيناريست لم يكلف نفسه حتى مراجعة ديوان الشافعي”.

ويوضح الأكاديمي الحاصل على الدكتوراه في اللغة العربية من كلية دار العلوم بمصر، أن اللغة التي ظهر عليها مسلسل الإمام الشافعي فاقت الخيال، فالعمل مفعم بالعامية المصرية، والشافعي ليس مصريا، ولغته هي لغة أهل الحجاز، وكان الأقرب أن يتحدث بالفصيحة، فضلا عن أن أقوال علماء اللغة والأصوليين تضافرت بشأن حجية لغة الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومنها ما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل (164-241هـ / 780-855م) “كلام الشافعي في اللغة حجة”.

أخطاء متكررة

ولاحقت مسلسل “سرّه الباتع” انتقادات فئات من الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب أخطاء تاريخية وشكلية، من بينها عدم مناسبة بعض ملابس أبطال العمل للفترة الزمنية الخاصة به، والتأريخ للاحتلال الفرنسي لمصر بعد المماليك والأتراك، على عكس الحقيقة، واستخدام خيول مهجنة لم توجد في تلك الفترة، واستخدام عربة يجرها حصان تدعي “الكارتة” رغم أن تلك العربات جاءت مع الاحتلال الفرنسي وليست قبله، واختيار ممثل بدا طويلا مقارنة بما عرف عن قصر قامة قائد الاحتلال الفرنسي نابليون بونابرت.

ونالت سهام النقد اللاذع مسلسل “رسالة الإمام” كذلك، بسبب أخطاء في التاريخ واللغة والسياقات المعيشية المصاحبة لعصر الإمام الشافعي وحياته، منها وجود بعض الشخصيات غير المعاصرة له، وعدم دقة لغته العربية في العمل، ونسبة بيتين من الشعر له رغم أنهما لشاعر سوري معاصر، فيما أوضح مؤلف العمل السيناريست محمد هشام عبية -في تصريحات تلفزيونية- أن المسلسل شارك فيه 7 كتاب، إلى جانب الباحث الصحفي علاء عزمي الذي تولى التدقيق التاريخي للأحداث ومواصفات الديكور والمباني، مع مراجعات الأزهر للنص فيما يتعلق بالأمور الفقهية والتاريخ.

وكانت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر أعلنت في أبريل/ نيسان 2021 وقف مسلسل “الملك”، الذي كان سيعرض في شهر رمضان وقتها، باقتباس عن رواية “كفاح طيبة” للأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، بسبب أخطاء تاريخية كبيرة، اقتضت تشكيل الشركة لجنة عاجلة من مجموعة من المتخصصين في التاريخ والآثار وعلوم الاجتماع، لمشاهدة المسلسل ومراجعة السيناريو كاملا، ولم يظهر العمل للنور حتى الآن.

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا