في فيلم “طريق اليأس”.. أحزان وجرائم الجنوب الأميركي بعين سينمائية
ينتمي “طريق اليأس” لأفلام الإثارة والتشويق والأكشن، وقد حقق قبولا كبيرا لدى المشاهدين، الذين قيموه بمعدل 89% على موقع “روتن توماتوز”، في حين قيّمه النقاد بـ67%.
قصة من الجنوب الأميركي
تدور أحداث “طريق اليأس” في الولايات الجنوبية الأميركية، وبالتحديد ميسيسيبي، وتبدأ بالمرأة الشابة “مابين” وابنتها “أنالي” اللتين تتنقلان بين المدن الصغيرة والمقاطعات مشيا على الأقدام، ويبدو عليهما الإرهاق والجوع وملامح الفقر، بداية من الملابس الرثة وحتى الأحلام الصغيرة التي لا تقدران على الحلم بغيرها، مثل العثور على سقف منزل، أو عدم الاضطرار للتنقل مشيا لمسافات طويلة.
تتعرض “مابين” (تجسد دورها الممثلة ويللا فيتزغيرالد) لاعتداء من أحد ضباط الشرطة الفاسدين، وتضطر لقتله، لتبدأ مع ابنتها رحلة أكثر صعوبة، تحاول خلالها النجاة ليس فقط من الفقر، ولكن كذلك من الشرطة التي تبحث عن القاتل.
على الجانب الآخر يتتبع الفيلم “راسل” (يجسد دوره الممثل غاريت هيدلوند)، الشاب الأبيض الخارج حديثا من السجن، ويتعرض للضرب من شخصين يبدو أنهما يكنان له ضغينة كبيرة، ويمثلان تهديدا لحياته.
وفي محيط المدينة الصغيرة يلتقي الخطان الدراميان لكل من “مابين” وابنتها مع “راسل”، ويكتشفون أن هناك كثيرا مما يجمع بينهم.
الجنوب الأميركي منطقة لها طابع خاص في الولايات المتحدة، فعلى عكس الولايات الشمالية التي تعيش نمطا سريعا في الحياة، والتي يعتمد اقتصادها على الشركات متعددة الجنسيات، وتتمتع بكل مظاهر الحضارة الغربية، تبدو مثيلتها الجنوبية كما لو أنها لا تزال تعيش في الماضي، بنمط في الحياة أكثر بساطة وفقرا.
الغالب في أفلام “الجنوب الأميركي” أنها تضعه في قوالب ضيقة. على سبيل المثال، يقدم في أعمال تتناول العنصرية أو التمييز ضد المهاجرين، ولكن فيلم “طريق اليأس” يلقي الضوء على زاوية مختلفة، حيث يقترب من محدودي الدخل الذين يعيشون على هامش المجتمع دون النظر إلى لون بشرتهم أو انتمائهم.
“مابين” و”راسل” ووالده “ميتشيل” لا يملكون موارد مادية كبيرة، فالأولى تعيش على المساعدات الاجتماعية، والثاني عمل في طلاء المنازل قبل دخوله السجن، في حين يعيش الثالث في مزرعة فقيرة خارج المدينة.
يتناول الفيلم بحساسية شديدة تأثير الأوضاع الاقتصادية على المجتمع الأميركي، ويرصد تلك الحياة الجافة التي تولد العنف والجريمة. ينظر صناع العمل بعين الرأفة لأبطاله الذين يقدمون على ارتكاب الجرائم مدفوعين بقلة الحيلة أكثر من الشر، ويمنحهم فرصا ثانية.
الأكشن والمحبة
ينتمي الفيلم لنوع الأكشن والتشويق، وهو النوع الذي حقق بسببه “ميل غيبسون” نجاحا كبيرا سابقا في أفلام مثل “السلاح القاتل” (Lethal Weapon) و”كنا جنودا” (We Were Soldiers)، ولكن على الرغم من أن “طريق اليأس” تبدأ قصته بالقتل، ويتكون في مجمله من مشاهد عنيفة مختلفة وطلقات نارية، فإنه لا يبدو مثل أفلام الأكشن الرائجة، خصوصا من حيث التصوير والإيقاع الهادئ.
الفيلم من تصوير “سي تيرنبول”، ومنذ لحظاته الأولى نلاحظ اهتمامه بطبيعة الجنوب الأميركي، مثل الأراضي الواسعة بأشجارها وعشبها، والبحيرة الصغيرة التي يطل عليها منزل “ميتشيل” والد “راسل”، مع استخدام ضوء الشمس الطبيعي، ويظهر تضاد هذا العالم المثالي مع مشاهد الليل التي حدث فيها الاعتداء على البطلة.
فرضت حركة الكاميرا البطيئة إيقاعا هادئا على الفيلم، وهو أمر غير معتاد في أفلام الأكشن التي تعتمد بصورة كبيرة على الحركة السريعة للكاميرا، وعلى المشاهد القصيرة، في حين يتمهل “طريق اليأس” في كشف حبكته والصلات التي تجمع بين الشخصيات بعضها ببعض.
لعبت الموسيقى التصويرية المليئة بالشجن دورها في إضفاء ستار شفاف من الحزن الذي يدفع المشاهد إلى التعاطف مع الأبطال، كما جاء استخدام التعليق الصوتي من شخصيتي “راسل” و”مابين”، ليلعب دورا بدا وكأنه جسر يربط بين مشاعر المشاهد وبطلي العمل.
لم يحمل “ميتشيل” (جسد دوره الممثل “ميل غيبسون”) بندقيته في “طريق اليأس” سوى مرة واحدة، وذلك لإنقاذ ابنه “راسل” من الموت، وهو الأمر الذي قد يصيب بعض المشاهدين بخيبة أمل، بعد توقعهم لفيلم عنيف نتيجة للصور الترويجية، ولكن هذا الإحباط تحول إلى إعجاب بعد تأمل الأداء المميز لغيبسون، على عكس أعمال حديثة له بدا فيها كما لو أنه فقد سحره القديم.
تعكس شخصيتا “راسل” و”مابين” اليأس الذي يشعر به قطاع كبير من البشر، بسبب الشعور بالذنب نتيجة للجريمة التي قام بها، وأدت إلى سجنه وخسارته حبيبة طفولته، أو بسبب قلة الحيلة تجاه الظلم الواقع عليها، بينما ينقل غيبسون المحبة والإيمان.
فقد “ميشيل” زوجته، وسُجن ابنه الوحيد (7 سنوات)، لكنه لم يترك اليأس يتسلل إلى روحه، بل قاومه عندما ساعد امرأة مهاجرة ضعيفة، ثم تحول إلى جد لابنة “مابين”، ودعم ابنه وتفهم مشاعره القلقة.
ساد الغموض النصف الأول من فيلم “طريق اليأس”، فلم يفصح السيناريو إلا عن القليل من ماضي الشخصيات، وجاء الحوار الذي يوضح مشاعرهم قليلا نسبيا، ولكن مخرجة الفيلم استعاضت عن الكلمات بأداء الممثلين الذين جسدت عيونهم كل ما هو خفي في شخصياتهم، وتساوى في ذلك أضلاع الفيلم الثلاثة ميل غيبسون وويلا فيتزغيرالد وغاريت هيدلوند.
فيلم “طريق اليأس” لا يمكن تصنيفه في “الأكشن الصرف”، فهو أيضا فيلم إثارة وغموض، يستخدم السينما لتسليط الضوء على حياة أهل الهامش، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن بين البشر جميعا.