فيلم “مقسوم”.. النسخة النسائية من “وقفة رجالة”
لا يمكن أن نزعم منافسة الفيلم في شباك التذاكر، خصوصا مع تصدر تجربة سينمائية أخرى مختلفة وهي “الحريفة”، واستمرار “أبو نسب” في حصد الإيرادات حتى بعد مرور 6 أسابيع على بدء عرضه، ولكن على الرغم من ذلك يمثل فيلم “مقسوم” فرصة طيبة لمشاهدة عمل خارج الأطر السائدة في السينما المصرية والوجوه المتكررة من موسم لآخر.
النساء والوحدة
تبدأ أحداث فيلم “مقسوم” في الثمانينيات من القرن العشرين، ليتعرف المشاهد على فرقة “أميتشي” الغنائية الناجحة ثم ينتقل العمل إلى الحاضر، ويقودنا إلى مخرج سينمائي شاب (عمرو وهبة) الذي يضع اللمسات النهائية على فيلمه الذي استثمر فيه وقته ومهاراته الفنية وأمواله، ولكن تقف أمامه عقبة وحيدة، فهو لم يحصل بعد على حقوق استخدام أغنية “مقسوم” التي استخدمها في عدة مشاهد، وعند محاولة الاتصال بالفرقة يكتشف مع مساعدته (سارة عبد الرحمن) أن النساء الثلاثة تشتت شملهن، وغلب على علاقاتهن العداء بعد الصداقة، فيكون عليه اللجوء للحيلة لجمعهن مرة أخيرة، وغناء أشهر أغنياتهن والحصول على حقوق استخدامها.
نتعرف -بعد ذلك- على المغنيات الثلاث، وشخصياتهن المختلفة، الأولى “هند” (ليلى علوي)، امرأة فقدت زوجها بعدما تركها وتزوج أخرى، لتعيش وحيدة في منزلها تجتر الماضي، وتبحث عن الرومانسية والحب في تطبيقات المواعدة، بينما تتركز حياة “إيمي” (شيرين رضا) في الحفاظ على جمالها من خلال الإجراءات التجميلية المختلفة، وحماية ابنتها من الوقوع في فخ زوج يتركها، مثلما حدث معها شخصيا منذ سنوات، وتعيش “رانيا” (سماء إبراهيم) حياة تقليدية للغاية، وقد تزوجت وأنجبت، بل أصبحت لها حفيدات، وتعتني بهذه القبيلة وحدها.
تعيش كل امرأة منهن تعاستها الخاصة وحيدة، وتجبرهن هذه الرحلة التي تجمعهن لأول مرة منذ سنوات على مواجهة بعضهن والأهم أنفسهن، فيختبرن لحظة مفصلية في حياة كل منهن، سواء بالتخلص من عبء ارتباطات اضطرارية أو فتح القلب لحب جديد، أو حتى مسامحة الماضي وعدم توقع الأسوأ على الدوام.
لمّ الشمل بين وقفة رجالة ومقسوم
ثيمة “لمّ الشمل” هي واحدة من الثيمات المتكررة في السينما العالمية والمصرية، وقدمها المؤلف “هيثم دبور” من قبل في فيلمه “وقفة رجالة”، الذي تناول قصة لمّ شمل مجموعة من الأصدقاء الرجال بعد وفاة زوجة أحدهم، ومحاولتهم التعامل مع المرحلة العمرية الجديدة بأمراضها وخساراتها ومخاوف نهاية العمر.
ليبدو فيلم “مقسوم” كما لو أنه النسخة الأنثوية من فيلم “وقفة رجالة” سواء من حيث تصميم الشخصيات وتنوعها، أو الرحلة خارج القاهرة وحتى الكشف عن الأسرار من الماضي الأمر الذي يعيد توثيق العلاقة بين الأصدقاء، تمتد هذه التشابهات إلى الاشتراك في ذات العيوب، على رأسها تنميط الشخصيات في صور مختزلة مثل “الوحيدة” و”الديفا” و”الجدة”، وحرمان الممثلات من أي فرصة للحركة داخل الشخصية، وحبسهن في التفاصيل البصرية لها.
ويغلب على تناول قصص هؤلاء النسوة الخفة الشديدة، لتبدو حلول مشاكلهن كما لو أنها في متناول أيديهن من البداية ولسن بحاجة لرحلة شخصية أو تواصل مع صديقات الماضي، ذلك على عكس فيلم “أحلى الأوقات” الذي استغل أيضا ثيمة لمّ شمل الصديقات، ليبرز تعقيدات حياة النساء المصريات، ولكنه لم يقدم حلولا جاهزة لهذه التعقيدات للوصول لنهاية سعيدة منتظرة، بل تمهلت كاتبته “وسام سليمان” ومخرجته “هالة خليل” لجعل الشخصيات تجد سبيلها بنفسها دون لَي عنق الأحداث.
يحمل فيلم “مقسوم” بداخله نواة قصة مسلية وعاطفية في آن واحد، تلعب على مخاوف منتصف العمر، وحاجة النساء إلى التواصل الحقيقي في سبيل سلامهن النفسي، ولكن توقف تطوير هذه النواة عند القشور، فظهر الاستسهال في كل مواضعه، دون ترابط حقيقي بين الأسباب والنتائج.
أين كوثر يونس؟
“مقسوم” هو الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجته “كوثر يونس”، التي قدمت من قبل فيلما تسجيليا طويلا حول بحث والدها عن حبيبته الإيطالية تحت عنوان “هدية من الماضي”، والفيلم الروائي القصير “صاحبتي”، الفائز بالعديد من الجوائز ولكن كلا المشروعين يظهران نضجا عند مقارنتهما بـ”مقسوم”.
تحكمت “كوثر يونس” بكامل العملية الإبداعية في أفلامها السابقة، فكانت المخرجة والمؤلفة، وأسهمت هذه الحرية في صبغ الأفلام بتصورها الشخصي، بينما غاب هذا التحكم في “مقسوم”، الذي ينتمي للسينما الروائية التجارية بمنظومتها التي تخضع فيه الرؤية الفنية لخطوات عدة ورغبات المؤلف والمنتج وشركات التوزيع وغيرها.
لم يخالف فيلم “مقسوم” المتوقع منه كفيلم خفيف ومسلٍّ يجمع مجموعة من الممثلات اللواتي رغم الزمن يثبتن تألقهن من مشروع لآخر، وكن بالفعل أحد أهم العوامل الإيجابية في العمل، ولكنه فرصة مهدرة لتقديم صورة مختلفة عن النساء في هذه المرحلة العمرية، الأمر الذي قام به العمل بشكل جزئي في الربع الأخير منه وتحليل علاقة “رانيا” بزوجها “مدحت” القائمة على الحب الممزوج بالتحكم والسيطرة والتلاعب.
واستخدمت المخرجة الألوان الحية والمبهجة سواء في ملابس الشخصيات، أو في أماكن التصوير، لتؤكد على طبيعة الفيلم المرحة، خصوصا مع التصوير في مكان يتسم بالغنى البصري مثل أسوان، وبينما تغيب الأغنية عن الفيلم رغم حضورها في العنوان، فقد استبدلت بها الموسيقى التصويرية لـ “خالد الكمار” التي أسهمت في تعزيز الطابع السريع والخفيف للفيلم.
انجرف فيلم “مقسوم” وراء البحث عن خاتمة سعيدة لكل الشخصيات، ولكن نسي صناعه أن المتعة لا تتمثل فقط في الخاتمة، بينما في كيفية الوصول إليها.