د. مها كركبي – صباح :”التمثيل النحيف/ الضيق للمرأة في الانتخابات هو إبرازها في الصورة الدعائية فقط”
“التمثيل النحيف/ الضيق” للمرأة في الانتخابات هو إبرازها في الصورة الدعائية، لكن بعد الانتخابات يتم تغييبها عن العمل السياسي
زياد شليوط
أربعة أيام تفصلنا عن يوم الانتخابات المحلية للمجالس البلدية والمحلية، والتي تجري في ظل ظروف غير طبيعية تمر في البلاد من حرب واجرام وتراجع اقتصادي وغيرها من الأزمات، ينعكس ذلك في حالة الفتور واللامبالاة بين المواطنين تجاه هذه الانتخابات وذلك لأول مرة. فالشارع العربي يحتفظ بهدوئه رغم انشغال الناس بالحديث عن الانتخابات في الأسبوع الأخير، وتحرك المرشحين والقوائم باتجاه ايقاظ الشارع من خلال الحملات والاجتماعات والزيارات الانتخابية. للاطلاع على تلك القضايا وغيرها التقت “الصنارة” الباحثة والمحاضرة الدكتورة مها كركبي – صباح.
الصنارة: تأتي انتخابات السلطات المحلية هذا العام بعد تأجيل لأكثر من مرة وفي ظل أوضاع لم تشهد البلاد لها مثيلا من قبل، كيف تنظرين إلى هذه الانتخابات وما هي مميزاتها البارزة؟
د. مها: تصدرت الحملات الانتخابية قبل الحرب، قضية العنف وبالدرجة الثانية الأرض والمسكن وكأن هذه القضايا التي تشغل بال الناخب بالأساس. في ظل الحرب حصل ركود في الحملات الانتخابية وتغييب للقضايا البارزة لظهور تحديات جديدة، وبعد الاعلان مجددا عن الانتخابات لم تعد الحملات الانتخابية بنفس الزخم والشارع الانتخابي لا يتجاوب مع الحملات الانتخابية بنفس المقدار. التحديات المرافقة للحرب هي حالة الغموض حول موعد انتهاء الحرب، أو حتى مسارها. كذلك هناك توتر بعلاقة المواطن العربي بالدولة في ظل حملات العنصرية الموجهة ضده، والتبعات الاقتصادية للحرب التي ستترك أثرا كبيرا على الحالة الاقتصادية للمجتمع عامة. فهذه القضايا لا تعالج في العمل البلدي مما يولد برأيي فجوة بين الهموم الآنية وما يطرحه المرشح، وأظن أن ذلك سيؤثر على نسبة التصويت التي ستشهد تراجعا ملحوظا عن سنوات سابقة.
الصنارة: هل يمكن أن تكون عملية الانتخابات عملية ديمقراطية سليمة، في ظل الأوضاع والظروف التي ذكرناها؟ وكيف نضمن مصداقية ونزاهة الانتخابات في أجواء كهذه؟
د. مها: السؤال الأكبر ما هو مصير البلدات المحاذية للحدود والتي يعيش أهلها أجواء الحرب، وهذا سينعكس على اهتمام الناس وإقبالهم على التصويت ولربما على قدرتهم الوصول لصناديق الاقتراع.
الصنارة: يدخل مجتمعنا العربي الانتخابات المحلية وحاله ليس بأفضل من حال الدولة عامة، فالإجرام يضرب فيه مجددا والوضع الاقتصادي في حالة متردية ومشاهد الحرب تترك ندوبا فيه إضافة إلى القوانين العنصرية التي تحد من تطوره، والأهالي لا يشعرون بالأمان من ناحية ولا ببارقة أمل من ناحية أخرى، كيف يمكن لك أن تصغي لنا مجتمعنا العربي في ظل هذه الانتخابات؟
د. مها: نمط الانتخابات عندنا يغلب عليه التفكير والسلوك القبلي، أي آلية قبلية لتجنيد الناس وتبعية الناس للمرشح وأقل نناقش الأجندات الانتخابية. لم نتحرر بعد من تلك السلوكيات في كل ما يتعلق بالسلطات المحلية وقليلا ما ندرس الفروق بين المرشحين بحسب القضايا التي يطرحها وقدرته على ادارتها. أنماط التصويت عندنا ليست على هذا النحو وهذه المرة سنستمر بطريقة التصويت القبلي ونرى السلطة المحلية هي المؤثر مما يدعونا للخروج للتصويت، وهذا ما تراه عائلات مصدر القوة اجتماعية الاقتصادية السياسية مما يجعلها تتجند وتخرج للتصويت، وسيبقى هذا الوضع القائم سائدا، لكن أجزاء معينة من المجتمع ترى قضاياها أكبر من قضايا التي يحملها الحكم المحلي مما يحملها على الخروج.
الصنارة: رغم ما ذكرناه فإننا نرى بأن الماكينة الانتخابية تم شحنها وتفعيلها في الأسبوعين الأخيرين، فهل هناك جديد في هذه الانتخابات من حيث المضامين والتوجهات وتركيبة القوائم، يختلف عما سبقها من انتخابات؟
د. مها: هذا يحتاج الى فحص علمي، ان حالة الاستياء العام من الدولة وسياساتها بأن الحكم المحلي عاجز عن تغيير واقعه ومعالجة تلك القضايا، نسبة العنصرية وتعامل الدولة مع المواطنين العرب، وبأن المواطن العربي مشتبه فيه مما يعيدنا إلى فترة الحكم العسكري، وهذا يحدث تساؤل لدى المواطن اذا الحملات الانتخابية يمكن لها أن تتصدى لهذه السياسات وهذا الواقع والتعامللا الممنهج تجاهنا، وهذا الشعور بالاستياء يسبب أن لا يشعرر الناس بأن التغيير سيأتي من باب السلطات المحلية.
الصنارة: تدخل المرأة الانتخابات المحلية بخجل، فهناك عدد من المرشحات في قوائم العضوية دون وجود أي مرشحة للرئاسة، فهل هذا يدلّ على أن مجتمعنا لم يتقبل بعد مشاركة المرأة في الحياة السياسية المحلية؟ وهل المرأة لا تجرؤ بعد على اقتحام هذه الساحة الخاصة بالرجال؟
د. مها: قطريا حصل تواجد للنساء لكن هناك تراجع حصل في هذا المجال فيؤ الفترة الأخيرة، النماذج في السياسة القطرية كان لها أن تكون مؤثرة وأن ترغب النساء بالدخول للمجالات السياسية بما فيها المحلية، كان أن تصح في مجتمعات أخرى غير مجتمعنا، سلوكياتنا قبلية تصعب على النساء دخول السياسة مما يبقيها في الخلف وكأنها ليست ضرورية. حاجز كبير أضيف إليه انتشار العنف والتداخل الحاصل في السنوات الأخيرة بين العنف والسياسة المحلية وارتباط العنف بقضايا تتعلق بالسلطة المحلية وشخصيات قيادية في السياسة المحلية مما جعل دور النساء يتراجع وهذا ما أكدت عليه دائما.
أسباب أخرى وجدتها بدراسة لي هي ثقافة العمل السياسي المحلي فالعمل البلدي يكون على حساب العمل، العائلة، دون مردود مادي، مما يصعب على المرأة، أن تتواجد في هكذا محلات بينمأ أسهل للرجال.
أمر آخر أود الإشارة اليه انه لا توجد أصوات بين النساء انفسهن، بالمطالبة الاعلان ألا نشارك في العملية الانتخابية إذا لا يكون تمثيل لقضايا واحتياجات النساء. وكأن الرجال يحمل كافة قضايا المجتمع، لا يوجد تمثيل للفئات المختلفة سواء جندري أو طبقي سيبقى مغيبا وغير مرئي، وكأن الحديث في الأرض والمسكن هي ذكورية وأنه من حق الرجل وحده أن يتحدث عن هذه القضايا وكأنه هو الذي يعمل فقط بينما تغيب المرأة عنها.
كون القضايا لها طابع ذكوري يصعب على النساء التنافس. مثلا في العنف أي اجتماع لبحث الموضوع في بلدة ما، فقط الرجال يجلسون حول الطاولة لاتخاذ القرارات وكأن الموضوع لا يمس المرأة ويقتصر على الرجال.
الصنارة: أي أنه دون عملية توعية ذاتية للمرأة سيبقى دور المرأة مغيبا؟
د. مها: تغيير أي واقع غير عادل لأي فئة يحصل من نضال الفئة نفسها وليس من قبل الأغلبية، هذا يتطلب وجود صوت للنساء ورفض التغييب، واضافة لهذا التثقيف يجب أن يتم على مستوى المجتمع عامة، كيف لمرشح أن يتحدث عن عدل للنساء اذا لم يكن عدل بين شريحتين مركزيتين تشكلان المجتمع وهما الرجال والنساء كل قضية عدل أخرى غير صادقة.
هناك قوائم فيها نساء لكن في أماكن غير متقدمة، علينا أن ندرك أن استعمال النساء وأسميه “التمثيل النحيف / الضيق” للمرأة أي أنها تبرز في الصورة الدعائية، لكن بعد الانتخابات يتم تغييبها لأنها لا تصل للعضوية ولا يعود لها دور يجب أن يكون لدينا الوعي للمطالبة بالتغيير.
المفاجيء في وضعنا أن عددا من المرشحين للعضوية أو الرئاسة يعرضون أنفسهم على أنهم من الجيل المتنور، المثقف، حملة الشهادات وكانوا في وظائف مهمة ومؤثرة، لكن تجد لديهم غياب تام عن كل ما يتعلق بالعدل الجندري، فيعرضون أنفسهم للناخب/ة على أنهم من قوى التغيير على مستوى المجتمع، لكن الخطاب الجندري مغيب . مجتمعنا لم يخرج بعد بخطاب مجتمعي عميق في قضايا مساواة بين الرجال والنساء، ويتم تطييع مطالب التغيير الجندري لقضايا حاسمة اخرى كالعنف او المسكن وأنه لم يحن الوقت بعد لهذه القضايا ومواضيع المرأة ستأتي في يوم ما. كباحثة لا أرى أنه يمكن الفصل بين قضايا العنف ولا القضايا الاقتصادية ولا الأرض ولا العدل المجتمعي بين الرجال والنساء فكلها متداخلة ومترابطة لتبلور واقع الرجال والنساء على حد سواء.