دراسة اسرائيلية في التخنيون : أكثر سخونة، أكثر رطوبة، أكثر خطورة
أكثر سخونة، أكثر رطوبة، أكثر خطورة
وفقا لدراسة إسرائيلية جديدة، أجريت في التخنيون، فإن الإجهاد الحراري، أي المزيج المزعج بين درجة الحرارة ونسبة الرطوبة، آخذ في الازدياد في إسرائيل، كما نلاحظ جميعنا… أنه ليس أمرًا مزعجًا فقط، بل إنه يضر كثيرًا بالصحة على المدى الطويل.
بقلم: يهونتان شر، زاڨيت
“رجعت الصيفية “، كما غنّت المطربة فيروز ، وها هو الصيف يأتي مرةً أخرى والجو حارًا من جديد، بل وأكثر سخونة، كما نشعر جميعا.
لقد سبّبت أزمة المناخ في السنوات الثلاثين الأخيرة، ارتفاعًا على درجة الحرارة القصوى اليومية بنحو درجتين مئويّتين، ولكن درجة الحرارة ليست سوى جزءًا واحدًا من قصة الصيف الساخنة، أما الجزء الثاني، وهو ليس أقل تنغيصًا، فهي الرطوبة، وعندما تتضافر درجة الحرارة والرطوبة وتخرجا علينا في رقصة لزجة ولاصقة، عندها نشعر، على جلودنا، بالعبارة المألوفة والمشؤومة، ألا وهي “الحمل الحراري”، وهو المؤشر الرسمي لخدمة الأرصاد الجوية، الذي يعبّر عن درجة الانزعاج الناجم عن مزيج من درجة حرارة الهواء ونسبة الرطوبة في هذا الهواء، حيث كلما زادت نسبة الرطوبة، كلما كان من الصعب على أجسامنا تبريد نفسها من خلال التعرّق.
صدرت دراسة إسرائيلية جديدة، عُرضت في مؤتمر “هندسة المياه والبيئة في مواجهة تغيّر المناخ” من قِبل وحدة الهندسة البيئية والمائية والزراعية في كلية الهندسة المدنية والبيئية في التخنيون، وتم فيها استخدام بيانات من محطات القياس الأرضية التابعة لخدمة الأرصاد الجوية الإسرائيلية، وبيانات من قمر صناعي أمريكي، بهدف رصد وتسجيل معدّل الحمل الحراري خلال ساعات ما بعد الظهر، لشهري تموز وآب في إسرائيل، منذ سبعينيات القرن العشرين إلى الوقت الحاضر، وقد أظهرت الدراسة، التي أجرياها البروفيسور ديفيد بروداي من كلية الهندسة المدنية والبيئية في التخنيون، والدكتورة ركيفت شفران ناتان، مدى تعرضنا للإجهاد الحراري، وأوضحت أن الحمل الحراري يزداد سوءًا في جميع أنحاء البلاد (وفي الشمال على وجه الخصوص).
إن الإجهاد الحراري ليس “فقط” غير مريح، بل إنه أيضا غير صحي للغاية، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن التعرض المفرط للحرارة يسبب آثارًا فسيولوجية خطيرة، ويؤدي إلى تفاقم المشاكل الصحية التي يعانيها أي شخص، مثل أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، ويؤثر سلبًا بشكل خاص على كبار السن والأطفال والنساء الحوامل.
وفقا للمنظمة، تتزايد موجات الحر العالمية من حيث شدّتها وتيرة حدوثها ومدتها، بسبب أزمة المناخ، وبعض الأحداث التي لا تُنسى بشكل خاص، هي موجة الحر التي ضربت أوروبا في عام 2003 وتسببت في وفاة 70ألف شخص، وموجة الحر التي ضربت روسيا في عام 2010 وتسببت في وفاة 56,000 شخص، وموجة الحر غير العادية التي ضربت أمريكا الشمالية في عام 2021.
يُضعف الجسم، ويزيد من المرض
إن أخطار موجات الحر الشديدة والقصيرة الأمد واضحة للعيان، لكن الآثار الصحية للتعرض المتواصل للإجهاد الحراري لا تقل خطورة، ففي مقال نُشر سابقًا، واستعرض آخر الأبحاث حول هذا الموضوع، ظهر أن التعرض طويل الأمد للحرارة المرتفعة تُشكل إجهادًا شديدًا على صحة الجمهور، ورفاهيتهم وأدائهم العام.
“الإجهاد الحراري يضعف الجسم” يقول بروداي ويضيف “في حين أنه من السهل رصد ودراسة موجات الحر المتطرفة قصيرة الأمد، فمن الممكن أيضا أن يؤدي الإجهاد الحراري المرتفع على مدى عقود عديدة إلى زيادة المرض والوفيات بين الناس.
الصدفة البحتة هي من أوصلت بروداي لدراسة الإجهاد الحراري في إسرائيل، فقد أراد دراسة تلوث الهواء بالذات، وفي عام 2015 نشر عشرات أجهزة الاستشعار في أربعة أحياء في حيفا، بالقرب من التخنيون، من أجل قياس درجات تلوث الهواء بمختلف أنواعه، والعثور على مصدرها، وبالإضافة لبيانات التلوث، فقد جمعت المستشعرات بيانات درجة الحرارة والرطوبة.
يقول بروداي “لاحظنا أنه خلال %82 من النهار، في شهري تموز وآب، تعرّض سكان المناطق التي تم فحصها لإجهاد حراري، تعتبره “الإدارة الوطنية الامريكية للمحيطات والغلاف الجوي”(NOAA) خطرًا على الصحة.
هذه النتائج غير العادية، دفعت مجموعة بحث بروداي إلى المرحلة الثانية من الدراسة، فقد قرروا فحص أكثر من الأحياء الأربعة في حيفا، وعدم الاكتفاء بصيف عام 2015 فقط (الذي كان حارا بشكل خاص)، وانتقل الباحثون لفحص بيانات خدمة الأرصاد الجوية الإسرائيلية، والتي يتم جمعها في محطات القياس الأرضية في جميع أنحاء البلاد، والتي تم جمعها منذ خمسينيات القرن العشرين، ونظر الباحثون في متوسط الحمل الحراري عند الساعة الثانية ظهرًا من شهري تموز وآب من كل عقد، واستخدموا نماذج لبناء خرائط مكانية للأحمال الحرارية.
كانت النتائج واضحة، اذ يقول بروداي “لقد رأينا كيف زاد الحمل الحراري على مر السنين” ويضيف “إنه شيء أشعر به وأعرفه من منظور سنوات العمر، حتى بدون التحقق العلمي، ولكن الآن يمكنك بوضوح إظهار التغييرات من عقد إلى آخر”، وبالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت البيانات أن الحمل الحراري أعلى على الدوام، بالذات، في مناطق الشمال، وذلك بسبب ارتفاع الرطوبة السائدة هناك.
في المرحلة الثالثة من الدراسة، بدأ بروداي وشفران باستخدام بيانات من القمر الصناعي الأمريكي”LANDSAT”، الذي يُستخدم منذ سبعينيات القرن العشرين، ويقيس بيانات درجة حرارة الأرض بدقة مكانية تبلغ 30 مترا، وقد أُدمجت هذه البيانات مع الخرائط الصادرة عن دائرة الأرصاد الجوية الإسرائيلية، حيث أكد هذا المزيج من المعلومات صحّة الاستنتاجات للدراسة ، ويضيف بروداي “الخرائط التي حصلنا عليها من خلال دمج قاعدتي البيانات أكثر ثراءً، فهي تُظهر الحمل الحراري بدقة مفصلة تبلغ 30 مترا ، بحيث يمكنك استخلاص استنتاجات ليس فقط على مستوى الحي ، ولكن أيضا على مستوى الشارع والمبنى وحتى الفرد. ”
الوقاية من الحرارة ببضع خطوات بسيطة
البيانات المقدمة حاليا هي نتائج أولية فقط، لكنها بالطبع مدعاة للقلق، خاصّةً عند الأخذ بعين الاعتبار التوقعات المتشائمة من الدراسات السابقة التي تتحدث عن ارتفاع إضافي يصل إلى ثلاث درجات مئوية في إسرائيل بحلول عام 2050، مع احتمال حدوث أحمال حرارية شديدة يمكن أن تصل الى درجة حرارة تحاكي حوالي 61 درجة مئوية في أشهر الصيف، وبعبارة أخرى، من المتوقع أن يزداد التعرض لأحمال الحرارة العالية لفترات طويلة في المستقبل، مما قد يؤدي إلى خسائر صحية فادحة لنا جميعا.
ما العمل؟ قبل كل شيء نحن بحاجة إلى تجنيد عالمي عاجل لمعالجة أزمة المناخ. ومع ذلك، هناك أيضا خطوات محلية لتخفيف الحمل الحراري، خاصة في الحيّز البلدي، كاستخدام التظليل وممرات الرياح والأشجار، (فقط تلك الخطوات من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض 2-4 درجات مئوية في بيئتها المباشرة)، وغيرها من الخطوات..
أيضا الخرائط التفصيلية التي استصدرها بروداي وشريكه يمكن أن تساعد، كما يوضح بروداي “في مستوى دقّة كهذا، من المكن استخلاص استنتاجات مهمة تتعلق بالصحة، اذ باستطاعتنا اتباع مسار المشي اليومي المحدّد لعائلة أو لشخص، ورصد مؤشر التعرض للحرارة لديهم”.
وبحسب أقواله، فإن باحثون في مجال الصحة العامة يمكنهم استخدام هذه الخرائط لمقارنتها مع مناطق انتشار أمراض مثل الربو وحتى السرطان، لفحص آثار الإجهاد الحراري، في المدى الطويل، على الصحة.
يأمل بروداي أن تساعد الخرائط التي سيتم الحصول عليها خلال الدراسة الجديدة، في التخطيط المدني المستدام ليحدّ من الآثار الضارة لشدّة الحرارة في المستقبل، ويقول: “يمكن استخدامها للتخطيط المستقبلي للبنى التحتية للطاقة اللازمة لتكييف المباني، لتوقع كمية استهلاك مياه الشرب ولتخطيط المناطق المظللة.
في بلد يعاني كثرة الشمس وقلة الظل في المناطق المأهولة كما يحصل عندنا، علينا أن نأمل، وعمليًا جدير بنا أن نطالب صنّاع القرار، على المستويين البلدي والوطني، باتخاذ الإجراءات البسيطة التي من شأنها أن تحافظ على صحتنا ورفاهيتنا في الحيّز العام.
أعدّت المقال زاڨيت – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الاسرائيلية لعلوم البيئة