الأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف لـ”الصنارة”: اللغة كائن حي، اللغة تتطور واللغة تقبل الاشتقاقات والكلمات الأجنبية وتطوعها فتصبح عربية
احتفلت اليونسكو للمرة الأولى باليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول 2012، بناء على قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة من عام 1973، وكرَّست اليونسكو هذا التاريخ السنوي لإبراز إرث اللغة العربية ومساهمتها العظيمة في الحضارة الإنسانية. ودرجت مدارسنا العربية على الاحتفال بهذا اليوم سنويا، من خلال المبادرة إلى فعاليات منوعة تشيد باللغة العربية وأهميتها ومكانتها، وفي صلب تلك الفعاليات استضافة كتاب وشعراء محليين لإحياء يوم اللغة العربية.
احتفاء بيوم اللغة العربية زارت “الصنارة” الأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف، في بيته في مدينة الطيبة، وفي مكتبته العامرة بالكتب والقواميس والمراجع، وأجرت معه اللقاء التالي. والأستاذ عبد الرحيم من مواليد 1941 وهو مدير مدرسة ومعلم سابق للغة العربية، وضع كتب “الكافي” و”البيان” في نصوص الأدب العربي قديمه وحديثه لطلاب المرحلة الثانوية. وأصدرت له بلدية الطيبة “الأعمال الكاملة” العام الماضي، بمناسبة الاحتفاء بتكريمه.
زياد شليوط
الصنارة: كيف ترى مكانة اللغة العربية اليوم بين أبنائها، وما هو المستقبل المتوقع لها بنظرك؟
يوسف: لا يخفى على أحد بأن وضع اللغة العربية اليوم ضعيف على أقل تقدير، لأن هنالك من يتكلم الإنجليزية وهناك من يخلط فيها العبرية، وسيبقى هذا الضعف ان لم نحافظ عليها لغة صافية كما ورثناها عن أجدادنا. لكن من ناحية أخرى أنا لا أخشى على اللغة العربية لسبب واضح، كما قرأت وعلمت، لأن القرآن حائطها ورابطها وضابطها، وطالما أن الإسلام موجود والمسلمين يعودون للقرآن، فهم ملزمون بأن يتحدثوا ويعرفوا اللغة العربية على الأقل، يعرفونها ولو أنهم يتكلمون بلهجات أخرى، لكن تبقى اللغة العربية لغة حية طالما أن هنالك بقاء حيا، طالما أن هناك اسلام وقرآن كريم. صحيح أن القرآن لا يشتمل على كل مفردات اللغة العربية، لكن هنالك المعاجم أيضا والأدباء المتميزين الذين يبدعون. لكن نراها لغة ضعيفة، لأننا نرى في لافتات المحال التجارية يكتبون العربية في درجة ثانية أو يتجاهلونها، وعندما تدخل مؤسسات ومكاتب تجدهم يخاطبونك بمفردات عبرية، ومما يزيد من التأثر أن البلديات ومجالسنا العربية يكتبون لافتات العبرية من فوق والعربية تحت أو يتبادلون الرسائل الداخلية بالعبرية، ويأتيك رئيس السلطة المحلية بأسلوب التوقيعات، فيكتب في ذيل الطلب أو الرسالة ” يطوبال”، أي ستتم معالجته.
الصنارة: سبق ودعوت لتعزيز اللغة العربية لدى الناطقين بالضاد الذين تخلوا عن لغتهم ويبحثون عن لغة مهجنة، يستخدمون فيها حروفا غير عربية وأرقاما وغيرها، فهل يمكن تعزيز وتقوية اللغة العربية في ظل هذا الاغتراب الألكتروني؟
يوسف: هذا متروك للزمن. لا يوجد أمر اذا عولج بإلحاح وتواصل الا أن تجد له نتيجة، لكننا نمر في ظروف غامضة، مضطربة فيها أشياء غريبة جدا، وتزيح التفكير وتزيح فكر الانسان وتجعله أحيانا يسخر من تراثه، لكن نأمل أن يكون في المستقبل تحسينا وتبديلا. هذا الأمر مرهون بموضوع التعليم والمدارس وتعامل السلطات مع القومية واللغة والتراث، اليوم نرى تسهيلات وحذف في مواضيع. وأظن أن السؤال يمتد وكل عصر له متطلبات. يظن البعض أنه في ظل وجود الاختراعات والتسميات الأجنبية يقع تأثير على اللغة، فاللغة العربية واسعة الصدر وتقبل الاشتقاقات ولها بدائل والمجمع اللغوي في دمشق والقاهرة يقدم حلولا معينة للتسهيل مثل مجمع دمشق أجاز منتزه بدل متنزه لأنها مستعملة ومتداولة.
الطبري في مقدمة تفسيره يتكلم فيقول: اذا خضعت الكلمة لنحو اللغة العربية قبلت، مثل “سندس واستبرق” كلمات أعجمية أخذت النحو العربي فهي كلمات عربية ولا عيب في ذلك.
اللغة كائن حي، اللغة تتطور واللغة تقبل الاشتقاقات والكلمات الأجنبية وتطوعها فتصبح عربية.
الصنارة: نسمع عن احياء يوم اللغة العربية في مدارسنا، ما رأيك بهذا النشاط وهل يحقق أهدافه المنشودة أو المعلنة؟
يوسف: هذه مناسبة جميلة وتذكر بعض الشيء ومقبولة، لكن يجب أن يخطط لها خبراء لكي تؤتي أكلا.
نعطي الطلاب ونشوقهم لجمال اللغة العربية مع أمثلة ونماذج، لكن ما الفائدة من قراءة قصيدة أو قصة أمام الطلاب دون اشراك الطلاب أنفسهم. مثلا أن تقدم محاضرة قصيرة غنية بالمعلومات عن اللغة العربية ومميزاتها، ومن ثم تقدم فقرة إضافية.
ان اللغة العربية فيها احتياط كبير مثل جسم الانسان، فيها 29 حرفا يمكنك استخدام أقل الحروف، وعندك مدى واسع وهذا أفق واسع لاستيعاب كل الاختراعات والفائدة موجودة لكن يجب أن يكون تخطيط سليم، وتوزيع المهام على المدارس وليس تكرار نفس الفعاليات، على المدارس أن تهتم اهتماما
الصنارة: كيف تفسر ظاهرة اصدار الكتب المتفشية في وسطنا، مقابل ما يشاع عن عزوف الناس عن القراءة والمطالعة؟
يوسف: من المؤسف أن يكتب كثير من الناس بهدف التكريم. انهم يسطون ويسرقون ليحظوا بالتكريم وهذا جلّ اهتمامهم ويظنون أنهم أصبحا أسطورة. الكاتب/ الشاعر ينتج اليوم دون عملية القراءة أو تثقيف نفسه. ما يهمه ويعمل له حب الظهور والركوب على ظاهرة التكريم، وكثيرون منهم يطلبون ذلك دون وجه استحقاق.