في مسلسل “بابا المجال”.. حارة مصرية وشخصيات كرتونية

0 9٬068

آفة الدراما هي سيناريوهات “التفصيل”، أي تلك التي تتم كتابتها من أجل ممثل معين، حيث يحقق السيناريست تصورات الممثل عن نفسه كثيرا وعن تصوراته حول البطولة والجماهيرية قليلا.

ولعل أحد العوامل التي أدت إلى ضعف الدراما المصرية في السنوات الأخيرة هو تلك النصوص التي أدت إلى انصراف الجمهور عن الأعمال التي يعرف مسبقا مساراتها وخطوطها العامة والصورة التي يسعى الممثل لترويجها عن نفسه.

وقد أتاحت دراما رمضان -التي كانت تلقى إقبالا كبيرا- للعديد من الممثلين متواضعي القدرات أن يقدموا أعمالا أقل ما يمكن أن توصف به هو انفصالها عن العالمين، عالم الدراما والعالم الحقيقي، فالمشاهد الذي كان يسعى دائما إلى مراقبة صورة منه على الشاشة ليتوحد معها ويحقق في الخيال ما لا يستطيع تحقيقه في الواقع لم يجد سوى بطل خيالي خارج لتوه من فيلم هندي.

وتعتمد تلك النصوص على وصفة جاهزة بطلها شخص قادم من قاع المجتمع يواجه الفقر ويتمتع بالقوة الجسدية والذكاء ويتعرض لظلم من بعض الكبار، ثم يبدأ في ممارسة القوة بعد أن تقع في غرامه ابنة الرجل الغني الظالم وأحيانا كل الفتيات في العمل.

وفي ظل الزخم الدرامي الرمضاني برز الممثل مصطفى شعبان في مسلسل “عائلة الحاج متولي” 2001، حيث كان الابن الأكبر للحاج متولي (الممثل نور الشريف) ونال تعاطفا كبيرا من الجمهور، ثم ظهر في عدة أعمال وحاول مع البطولات السينمائية، لكنه استنفد سريعا، فعاد ليتزوج 4 نساء في مسلسل “الزوجة الرابعة” بدلا من الحاج متولي، ثم قام بدور طبيب نساء في مسلسل آخر هو “دكتور أمراض نسا”، حيث وقعت في غرامه كل ممثلاته تقريبا.

شارك شعبان الممثل عمرو سعد في بطولة مسلسل “ملوك الجدعنة” العام الماضي، وتدور قصته حول النموذج نفسه لكل من عمر سعد ومصطفى شعبان، وانفرد كل منهما بمسلسل هذا العام، ليعلن شعبان أنه “بابا المجال”، وهو مسلسله الرمضاني واسم ورشة السيارات التي يعمل فيها حرفيا بعد أن اضطره الفقر إلى ترك الدراسة في كلية الهندسة قبل تخرجه بعام واحد.

ترك “بابا المجال” انطباعا ساخرا لدى المشاهد من اللحظة الأولى لعرضه، حيث استخدم السجع الشعبي في الحوارات بين أبطاله، ومن الواضح أن مؤلفي العمل عملوا كثيرا على اشتقاق جمل ذات سجع، مثل “مفيش مقارنة في كارنا” بمعنى لا مقارنة في مهنتنا، و”الحساب متسجل بس متأجل” وتعني أن هناك عواقب لكل تفصيلة ولن يتم نسيان أي شيء وغيرها، وقد تكرر الأمر على ألسنة كل الأبطال بشكل مبالغ فيه، مما أكد أن العمل وإن بدت الصورة فيه واقعية إلا أن أشخاصه ينتمون إلى عالم كرتوني.

حكاية عائلة كورليوني

تدور الأحداث حول “زين” أو مصطفى شعبان، الشاب الذي أبعدته والدته عن والده وأفراد عائلته الذين يعيشون بأموال حرام لأنهم يبيعون الآثار، ويفاجأ الشاب -الذي عانى من الفقر مع والدته- بأنه محكوم بالإعدام بتهمة قتل 15 شخصا، وتضطر الأم الهاربة إلى الاستعانة بالأب بعد هروب أكثر من 20 عاما منه لينقذه من هذا الحكم.

الأب “زكريا الديب” ويجسد دوره الممثل رياض الخولي يتزعم عائلة (عصابة) تعيش على المال الحرام وينتشر بينها الحقد، وبينما يستعد لتوريث ابن شقيقته الزعامة والأموال لشعوره باقتراب أجله ويأسه من العثور على ابنه تظهر الأم، لينقل الأب كل شيء إلى ابنه، ويرث الابن مع المال والقوة رغبة العائلة في موته.

تحمل القصة ظلالا هوليودية من فيلم “العراب” لفرانسيس فورد كوبولا، كما تحمل ظلالا من قصة مسلسل “جبل الحلال” الذي جسد دور زعيم العائلة فيه الفنان الراحل محمود عبد العزيز، وعاد رياض الخولي ليقدم الدور نفسه تقريبا.

أثبت المخرج أحمد خالد موسى أننا أمام مشروع لمخرج متميز، وقد عمل في بداية حياته مساعدا للمخرج رامي إمام في فيلمي “كلاشنكوف” و”ثمن دستة أشرار”، ومع شريف عرفة في “لحظات حرجة”، ورشحه إياد نصار لإخراج مسلسل “من الجاني” الذي يعد باكورة أعماله كمخرج.

قدم المخرج لأحداث العمل بشكل جميل رغم معاناته الواضحة مع السيناريو، حيث صور أجواء شهر رمضان من موائد الرحمن والإفطار الجماعي والزينة التي يعلقها سكان الأحياء الشعبية في الشوارع، وروح التسامح والحب والتعاون التي ميزت الحارة المصرية في الأزمنة الماضية.

قدم العمل بطله “زين” باعتباره شخصا مثاليا يساعد الجميع رغم فقره، ويحظى بحب خطيبته وصديقتها، ويسكن أحلام شقيقتها الصغيرة اللبقة على طريقة فيلم “بنات اليوم” للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وماجدة الصباحي وأحمد رمزي.

وفي فيلم “بنات اليوم” يدرك عبد الحليم أنه ضل طريقه إلى الحب، وبدلا من أن يخطب الفتاة المناسبة له خطب شقيقتها، وينتهي الفيلم بتصحيح الوضع.

وفي ظل شخصية خطيبة “زين” (مصطفى شعبان) التي تدعى جميلة، والتي تقدم المال على كل شيء وتطمع في ثروة أبيه فإن اتجاه القصة يصبح متوقعا، حيث ينتقل اختيار “زين” تصحيحا للأوضاع إلى صديقتها التي تحبه وتفضله على كل أموال الدنيا.

تمنح الحلقة الأولى وقبل الانتقال إلى مشاهد “عائلة الدياب” طاقة حب وتسامح فياضة للمشاهد، لكن المشاهد نفسه يصطدم بكم الكراهية المتبادل بين أفراد العائلة دون استثناء، ولأن السيناريو لا يبدو أصليا في الكثير من أجزائه فإن ذلك الجزء القادم من مسلسل “جبل الحلال” يصور عائلة أبو هيبة التي تمتعت باستثناءات تتعلق بالحب، حيث تحب الأخت أخاها بعيدا عن أمواله في “جبل الحلال”، فيما جاء سيناريو “بابا المجال” ليصور كتلة من الكراهية لا استثناءات فيها حتى بين شقيقة كبير العائلة “زكريا الديب” وابنها الذي قام بدوره باسم سمرة، وعلى عكس أدائه المتميز في أغلب أعماله قدم سمرة أداء أحاديا ذا تعبير واحد هو السخط والغضب والحقد، والطاعة المتملقة للخال.

حقق مصطفى شعبان هدفا صغيرا في هذا العمل، حيث أظهر قدرات تمثيلية جيدة، لكنه لم يتنازل عن مشوار الولد الغلبان الذي يواجه عاصفة الشر مسلحا بحب الجمهور وحب بطلات العمل.

ويحسب لصناع العمل تقديمه في 10 حلقات فقط، والاقتراب المباشر والعميق من أزمات المجتمع المصري، فبينما لا يستطيع أحد خلاله مواجهة المجال العام بحقيقة انتشار البلطجة والظلم الفردي والمجتمعي يتعمق السيناريو في تصوير تلك الأزمات التي تطحن المجتمع.

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا