المحاضر في علم الاجرام والسموم الدكتور وليد حداد لـِ الصنارة: “عصابات الاجرام انتقلت الى حرب تصفية داخلية فيما بينها”

0 12٬566

 

  • عصابات الاجرام انتقلت الى حرب تصفية داخلية فيما بينها، ولا يمكن النظر الى ذلك بإيجابية، خاصة وأن الدولة تعمل على تغذيتها بدل وضع حد لها.

 

زياد شليوط

يعيش مجتمعنا بين نوعين من الجريمة، الأولى تقع على خلفية اجتماعية وخلقية والثانية تقوم بها عصابات الاجرام المنظم، وشهد الأسبوع الأخير تصاعدا نوعيا وكميا في نوعي الجريمة، وكان لا بدّ لنا أن نتوقف عندها في حديث مع المختص والمحاضر في علم الاجرام والسموم، الدكتور وليد حداد من شفاعمرو، والذي يتابع الموضوع منذ بداياته، لنفهم دوافع تفاقم الجريمة في مجتمعنا العربي وتصاعدها بشكل سريع واختلاف أدواتها وانعكاس ذلك على مجتمعنا.

play-rounded-fill

الصنارة: وقعت مطلع هذا الأسبوع جريمة عائلية في الطيبة هزّت مجتمعنا، ما هو تعقيبك على هذه الجريمة وفي أي إطار يمكن وضعها؟

د. حداد: بعد الجريمة مباشرة كانت المعالم واضحة، حيث دار الحديث عن مريض نفسي فقد اتزانه وارتكب الجريمة، وهذه حالة معروفة في علم النفس. فعدم تناول الدواء والعمل بموجب تعليمات الطبيب، أو خلط مواد مع الدواء مثل المخدرات تؤدي إلى حالات صعبة. لكن انكار المشتبه به لوجوده في مكان الجريمة وتأكيد المحامي الموكل عنه على تلك الأمور وبأن موكله ليس مريضا نفسيا، جعل التعامل مع هذه الجريمة يتأجل حتى انتهاء التحقيقات الرسمية، على ضوء عدم وجود إشارات لتورط المشتبه به في الجريمة.

أظن أن تعبير “هزت مجتمعنا” غير موفق للأسف ولم يعد يعكس الواقع. فالمأساة تترك تأثيرا لساعات معدودة وإثبات على ذلك ان التعليقات في وسائل التواصل توقفت وانتقل الأمر إلى مواضيع أخرى مختلفة. والقتل داخل العائلة ليس جديدا أيضا، فقد وقعت عدة جرائم كهذه في الأشهر الأخيرة، فهناك شاب قتل والدته وشاب قتل زوجته الحامل وأم قتلت أطفالها، لذا هذه الجريمة غير مفاجئة.

الصنارة: مرت الجريمة في مجتمعنا بعدة مراحل وشهدت تصعيدا ملحوظا، بدأت باعتداءات بسيطة على الممتلكات واعتداءات شخصية، وتحول إلى استخدام الطعن بأدوات حادة، ومن ثم استعمال السلاح الحي، ومن عنف فردي إلى عنف منظم. كيف ترى هذا التصعيد، كخبير ومتابع للموضوع، أو التطور في الجريمة إذا أمكن قول ذلك؟  

د. حداد: صحيح ما قلته بأن الجريمة شهدت تطورا، وهذا ليس ظاهرة طبيعية مفاجئة مثل الزلزال مثلا. كانت هناك مؤشرات لذلك منذ عشرات السنين. عندما أهملت السلطات المسؤولة موضوع تقديم خدمات الرفاه الاجتماعي وتراجعت التربية في المدارس وانتشرت البطالة شكلت تلك مقدمات لانتشار الجريمة في مجتمعنا. وعندما تم هدم البنى التقليدية في مجتمعنا والتخلي عن العادات والقيم، وحصلت اعتداءات على لجان الصلح أو عدم التزام بقراراتها، انتشرت ثقافة أحياء الفقر، وأخذت ترى السيارات الفارهة والخيرات الكثيرة لدى أشخاص لا يعملون، وكل هذا ساهمت الدولة في تعزيزه. كذلك عندما كانت سلطاتنا المحلية تخضع للجان معينة ومحاسبين مرافقين، تقلصت برامج التربية وخدمات الرفاه الاجتماعي في تلك السلطات، وهذا ما أشار اليه مراقب الدولة في تقريره عام 2006.

أريد العودة الى عهد وزير الأمن القومي الأسبق غلعاد أردان، حيث وصل عدد ضحايا الاجرام حتى مطلع شهر أيار عام 2018 الى 18 ضحية، ويومها صرخنا واتهمنا الوزير أنه يجرم بحق مجتمعنا، وفي هذا العام وخلال نفس الفترة وصلنا الى 60 ضحية، لكن لم نعد نحتج ونصرخ، أليس هذا نتيجة عمل أو عدم عمل السطات؟ ما أود تأكيده أن الوزارات لا تطرح ولم تطرح على أجندتها برامج وميزانيات لمحاربة الجريمة، ربما تكون “حكومة التغيير” هي الحكومة الوحيدة التي تحدثت عن مخططات وميزانيات، والذي كان مسؤولا عنها نائب الوزير سيجوليفيتش، لكنها نفس الحكومة والتي تحدثت في البداية عن خطة تحولت لتتحدث عن “حملة”، أي أن حكومة التغيير لم تحقق التغيير انما واصلت “السياسة المعهودة.

الصنارة: عصابات الاجرام انتقلت الى حرب تصفية داخلية فيما بينها، هل يمكن النظر الى ذلك بإيجابية أم أن عواقبها ستكون سلبية على المجتمع؟

د. حداد: سلبية بالتأكيد. عصابات الاجرام تشبه الخلايا السرطانية، كلما قصصت منها كلما تكاثرت، وهكذا تزيد العصابات ويزيد عدد القتل والاعتداءات، بل وشهدنا تطورا في العمليات الاجرامية مثل التصفية عن بعد بأجهزة حديثة. انقسام العصابات ومن خلال تجارب عالمية يحدث لطموح شخصي بالاستقلالية أو حدوث خيانات داخلية، لكن في إسرائيل أيضا ومن خلال تقييمي أرى أن الدولة تغذي الصراعات الداخلية وتقوي عصابات على حساب عصابات أخرى من منطلق فرق تسد، ومن خلال ذلك نحن ندفع الثمن، وهذا الأمر ربما تكشفه مستقبلا لجان تحقيق.

الصنارة: في السابق خرجت جماهيرنا في مظاهرات احتجاجية على الجريمة، لكن اليوم وفي ظل التصعيد الخطير الاحتجاجات معدومة، إلى ماذا تعزو ذلك؟

د. حداد:  الناس فقدت الأمل بالتغيير وفقدت الثقة التي يقودها التغيير. أهم احتجاجات حصلت بعد جرائم كبيرة في مجد الكروم، حيث خرج الناس بالآلاف، في حينه طلب وزير الشرطة أردان الاجتماع مع القيادات العربية، لكنه فرض أي قيادة يلتقيها وأيها رفض لقاءها، وكانت تلك خدعة لشعب كامل، وهذا أدى إلى عودة الناس لبيوتهم.

وبعد مقتل الممرض من طمرة، رأينا القيادات تعمل على تهدئة الناس الغاضبة، ولم تتفهم غضب الجماهير، بل حاولت القيام بدور الشرطة. وهذا أدى إلى انكفاء الناس حتى أنهم باتوا غير مستعدين اليوم للخروج والاحتجاج على الجريمة.

نحن اليوم نعيش في ضياع ولا نعرف اتجاهنا، لذا لا نعرف الخروج من المأزق. ليس لدينا استراتيجية. ليست لنا مطالب واحدة. حتى منصور عباس في اللجنة البرلمانية تبنى خطاب الدولة، وقياداتنا عامة عندما تنخرط في مؤسسات الدولة تتبنى خطابها وتأخذ في القاء اللوم على الضحية.

مجتمعنا العربي ليس مذنبا بانتشار السلاح، المتهم هي الدولة التي سمحت بانتشار وتغلغل السلاح. الدولة التي كانت تعاقب على حمل السلاح وتعتبره سلاحا أمنيا وخطيرا بأيدي العرب، وبلغت العقوبة في قضايا السلاح الى السجن عشرات السنين، بينما اليوم يتم التغاضي عن ذلك. مخالفات السلاح يجب أن تعرف كمخالفة أمنية (أي بحق أمن الجماهير) وعقوبتها يجب ان تكون رادعة وبعدها تأتي مرحلة التوعية والتثقيف، لكن ليس قبل جمع السلاح من المجتمع.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا